كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

وما كل الناس اجتمع على هذا، فكيف إذا كانت غير قاطعة.
قال القاضي: فأين عبيد الله من هذا كله، وفي التفسير الأول ليحيى بن يحيى عن ابن القاسم عن مالك في رجلين شهد أنه حضر بهما ثلاثة رجال يحملون خشبة ومعهم صبي هو ابن لأحدهم، فلما غابوا عنهما سمعا وقع الخشبة في الأرض وبكاء الصبي فأتبعاهم، فوجد اشخبة في الأرض، والصبي في حجر أبيه في الموت، ومات من ساعته: إنها شهادة قاطعة، تجب الدية على عواقهم، وإن لم يشهدا بالمعاينة.
قال: قتل هذا وليي ولي وشهد بذلك رجلان ليم يعرفهما القاضي:
فهمنا – وفقك الله – ما كشفت عنه عن أمر الذي أتاك برجل فزعم أنه قتل وليه، وأتاك برجلين شهدا أن هذا المرمي قتل ولي هذا، ولم تعرف الرجلين، فحبست المرمي، وأمرت أن يعود إليك الشاهدان إذ كنت على ظهر حتى تكتب شهادتهما، فلم يعودا إليك، ولم يعد الرامي، ولا تعرفه ولا قريته، ولا أتاك بسبب أكثر مما ذكرت وله في حبسك أكثر من خمسة عشر يومًا، وأردت معرفة الواجب فيه.
فالواجب إذا لم يأتي الرامي بأكثر مما ذكرت، ولا ثبت نسبه من المقتول ابن عمه، فلا معنى لحبس هذا الرامي، كان متهمًا أو غير متهم، وإنما قال أهل العلم: يحبس المتهم الشهر ونحوه إذا قام بدم المقتول وليه وثبت ذلك، فأما مثل هذا فلا كلام له، ولا يجب به حبس من رماه. قاله ابن لبابة، وأيوب وابن وليد، وعبيد الله، ويحيى بن سليمان، وابن معاذ.
زعم فلان ضربه وعفج بطنه وغير ذلك من التدمية:
سألتنا – وفقك الله – عن أمر عنيت به من أمور الرعية التي قلدك الله أمرها، وجعلك راعيها عناية منك بها، واهتباك بأسبابها، وذلك أنه يردك من التدميات ما حملك على الكشف عنه، وذلك أن الرجل يأتيك بنفسه، يزعم أن فلان تولى ضربه وعفج بطنه حتى صار ذلك في موقف الموت بزعمه، أو يأتيك وليه عنه بمثل ذلك، ويدعوا إلى السماع من بينة على ذلك، ويطلب القائم بها حبس المدعي عليه، وقد يأتيك آخر ويدعي على رجل وبه جراحات غليطة مخوفة، وآخر عليه جراح سهل قد أسال دمه، وأحببت رضي الله عنك أن تعلم ما يلزمك به النظر في هذا لتنظر به إن شاء الله.
فالذي نقول به: إن الزمان قد فسد، وإن هذه الحالة إنما يسرع إليها من لا رقبة له

الصفحة 691