كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

عنده ولا خشية تمنعه من ركوب الباطل لاستخراج ما بأيد الناس بمثل هذا من الاحتيال، ولكنه مع ذلك تتوسط لهم بنظرك حالة تكون خلاصًا لك إن شاء الله، وأداء لحق ذوي الحقوق القائمين عندكن إن شاء الله.
فمن جاءك وعليه جراح مخوفة فاحبس المدمي عليهم حتى يصح المجروح أو تتبين حالة يجب بها إطلاقه، ومن جاءك معافى من الجراح يدعي على رجل ضرًا مؤلمًا قد بلغ منه مبلغ الخوف على نفسه بغير سبب قائم، فادعى القائم بمثل هذه البينة على دعواه، فإن أثبت تعدي المرمي عليه ولم يكن عند المدعي عليه في البينة مدفع فغزرن وإن رأيت حبسه فذلك إليك على ما يظهر لكل من شنعه ما ثبت عليه.
ومن جاءك بجرح خفيف وهو ممن يظن به أنه يركب مثل هذا من نفسه فاسلك به سبيل المعافي من الجراح. فإذا نظرت بهذا، كان نظرًا يدفع الله به اليد، ويدرأ به البسط، وينفع به العامة، ويدفع به عن دمائهم وأموالهم إن اء الله، قال بذلك كله محمد بن عمر ابن لبابة، وابن غالبن وابن وليد، وابن معاذ، ويحيى بن سليمان، وأحمد بن يحيى، ويحيى بن عبد العزيز، وعبيد الله بن يحيى.
وقال أيوب بن سليمان: إلا في المدعي الضرب المؤلم غير الظاهر أو الجرح الخفيف، فإنه ادعى ذلك على من يشبه ما ادعى عليه من ذلك من دعواه، وإن لم يدعه على من يشبهه ذلك، فكما قال أصحابنا.
وقال يحيى بن عبيد الله: قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: مالك يقول في المرأة تتعلق بالرجل الفاضل المبرز بالخير والعدل، وتقول: أكرهني على نفسي؛ قال: الحد عليها. وأنا آخذ بمثل هذا في التدمية، إذا قصد بدمه رجلاً فاضلاً قد عرف بالخير لا يقارف الدماء، فغني أبطل التدمية ولست أقبلها منه. قال محمد: وما عندي بينهما فرق. وصدق إن شاء الله عز وجل.
قال القاضي:
ترك يحيى بن عبد الله المصير إلى قول ابن القاسم وغيره والوقوف عنده والفتوى به، لأنه تفقه على محمد بن أدريس الشافعي في حياة أبيه وغيره من أصحاب المالكين، وإن كان قد رد على الشافعي في كثير من مسائله، ولا أظن ابن عبيد الله قد غاب عنه ما قاله ابن القاسم وغيره، فإن كان علمه فكان يجب أولاً أن يذكره ويختار قول من رأى الحق.

الصفحة 692