كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

فلما رفع إليك أمرها، فما زعم القوم أنهم عاينوه من رميه وحضر المرمي؛ كشفتهم هل عمد لذلك أو كانت رمية لم يقصدها بها؟ فقالوا: ما نقف على أنها كانت رمية عمدًا أو خطأن فأمرت بحبسه منذ شهر ونصف أو نحو ذلك ثم سألت المحبوس النظر في أمره بما يجب له وعليه، وهو منكر للرمية المنسوبة إليه، وأحببت أن تعرف ما يجب عليه في دم المرأة على ما قاله القوم الذي جهلتهم ولم تعرفهم مع فقدان ولي المرأة.
فتقول – والله نسأله توفيك – إن اللوث مختلف فيه، فقد قالوا: هو الشاهد العدل، وقالوا: هو اللفيف والجماعة غير العدول، والذي كان منه في حبسه متثبتًا في أمره وطالبًا الولي إن كان صواب.
فإذا طال هكذا ولم يأت ولي وجهل، فلم تعلم الرمية عمد لها أم لا؟ كان الصواب عندنا أن يؤخذ بقول من ألغى شهادة غير العدول وأخذ في اللوث بأنه الشاهد العدل، فإذا كان القول هكذا لم يجب على هذا شيء، إلا أن يتعدل من الشهود واحد، فإن تعدل فسبيل الأمر فيه على ما حكينا، وإن كانوا مما لا يرجيى فيهم تعديل رأينا – استحسانًا – إحلافه بالله ما رمى هذه الرمية، ولا كان ما قاله الشهود. قال بذلك محمد بن غالب.
وفي قوله: إن أخذت في اللوث باللفيف أقسم عليه، وكانت الديسة على عاقلته إن قام بذلك ثابت النسب، والذي اختار من ذلك أن اللوث الشاهد العدل، وقال ابن وليد مثل ذلك كله. وقال يحيى بن عبد العزيز مثله إلا في اللوث فإنه عنده اللفيف.
وقال ابن لبابة: إذا ثبت لها ولي، كان القول ما قاله أبو عبد الله بن غالب، وإن لم يثبت لها ولي، لم يكن فيها شيء؛ لأنه لا تكون قسامة لمن لا ولي له، وإنما يثبت بشهادة عدلين، وبذلك قال ابن القاسم.
والذي ذهب إليه من الاستظهار باليمين إن كان أراد يمينًا واحدة فإن الدماء لا تستدفع إلا بخمسين يمينًا، كما لا تثبت إلا بخمسين يمينًا، وهذه إذا لم يثبت لها ولي ولم تكن فيها قسامة، فإذا سقط ردها عمن طلب بها.
وقال أيوب بن سليمان: أصل قول مالك في اللوث أنه اللفيف والبينة غير القاطعة، وهو الذي وطأه في كتابه، ولعيه جماعة أصحابه، إلا ما روى ابن القاسم من نقوله بالشاهد العدل، فإن ثبت لهذه المرأة ولي؛ كان هو المحلف لهذا المرمي بدمها، وإن لم يثبت لها ولي، فالمسلمون أولياؤها ووارثوها كما يرثون مالها يرثون دمها؛ لابد لهذا المحبوس أن

الصفحة 696