كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

عيون القاضي ويديم نظره، فيما يزال ينفذ حين وجوب التنفيذ، ويستأني في موضع الاستثناء. قاله محمد بن وليد، وعبيد الله، وابن لبابة، وأيوب بن سليمان، وأحمد بين يحيى.
تراموا بدم سجنوا فيه فاصطلحوا في السجن وكذبوا أنفسهم: حفظكم الله وأبقاكم، بعث إلى صاحب المدينة بثلاث نفر، وقال: تنظر بينهم، فكشفتهم فقال أحدهم: إن هذين قتلا ابن عمي، وقال أحد الاثنين: إن هذا قتل ابن عمي، فأمرت بهم إلى الحبس حتى أعرف رأيكم، فلم يأت الليل حتى بعثوا إلي إنا قد اصطلحنا، وإنما كان شرًا وقع بيننا، وقد تهادرنا واصطلحنا، فكرهت إطلاقهم لما عرفتهم من تحفظي وتثبتي إلا بعد مشاورتكم، فاكتبوا إلي - رحمكم الله - برأيكم في ذلك. فكتبوا فهمنا ما ذكرت - وفقك الله - وشاورت فيه، والذي عندنا في أمر الثلاثة نفر أن يطلقوا ويخلى سبيلهم، إذ قد تصالحوا وتعافوا من دعواهم، ورجعوا إلى أن ذلك كان عن شر وقع بينهم، ولم يكن لما ادعوه وجه يظهر ولا يسبب يدل، ولا سبيل إلى حبسهم بعد هذا، والله أسأله لكل التوفيق. قاله أيوب بن سليمان.
وقال يحيى بن عبد العزيز: إنما يقضي القاضي بين المدعي والمدعي عليه، فيكلف المدعي إثبات دعواه وينظر بينهم بحق وعدل، فإذا رجع عن دعواه وترك إثبات طلبته، فليس على القضاة إجبار الناس على طلب حقوقهم، والذي أجاب به أبو صالح صحيح صواب والله الموفق، إلا أن يكون القاضي استراب أمرهم بشاهد أعلمه بشيء من شأنهم، فأما إذا لم يكن عنده إلا ما كان من دعواهم فلا سبيل عليهم. وقال ابن لبابة، وعبيد الله، ويحيى بن عبيد الله، وأحمد بن بيطر، وسعد بن معاذ، وابن وليد.
سجن بشر بن عبدوس لعقوقه أباه واتهامه بقتل امرأة:
فهمنا - وفقك الله - ما ذكرته من حبسك لرجل يقال له: بشر بن عبدوس لشكيه أبيه به إليك أنه غير بار به، وسبب عليه في ذلك ما حبسته من أجله تأديبًا له، وذكرت أنه بعد أن حبسته قيل لك: إنه كان قتل امرأة، ولم يقله أحد من أهل العدل ولا قيم عندك في دمها بسبب من الأسباب، وإنما كان ما جرى من أمرها خبرًا شاذًا ومضى لحبسه نحو عشرة أشهر، وطلب أبوه إليك في إطلاقه، وقال: إن في دون هذا الحبس ما يؤدبه إن شاء الله. ويرجعه إلى البر به، وأحببت أن تعرف ما عندنا في ذلك.
فالذي نقوله - والله الموفق للصواب - إن إطلاقه واجب، وإن في بعض ما سجنه

الصفحة 700