كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

من دم أخيه، وقال ذلك بمحضرهما ولم يعرفهما بأعيانهما حتى تسميا له، وأنه صح عنده أنهما بريئان من دم أخيه، وقال المرميون: حبسنا منذ عشرين شهرًا، وقال محمد: إنما حبسوا له منذ سنة أو ما قاربها، وقال المرمي: استغار محمد بن يوسف على ماشيتي بعد أن ضربت، وحضر ذلك أهل القرى، وقال عمر بن أحمد أخذ لنا عشرة أثوار.
وكشف القاضي – وفقه الله – عن وجه النظر في ذلك، فالذي يجب في ذلك إذا لم يأت القائم يدم أخيه بالبينة، أو بلوث يجب به الدم مع القسامة، حتى مضت المدة التي أقر محمد أنهم حبسوا فيها أكثر من سنة، وقال المحبسون منذ عشرين شهرًا؛ فلا معنى لحبسهم، ولا يحل حبس مرمي بدم هذه المدة، وإنما قال أهل العلم: إن كان المرمي بالدم متهمًا حبس الشهر ونحوه، فإن لم يؤت عليه بينة في داخل الشهر أطلق، وهؤلاء حبسوا أكثر من ذلك مما لا يجوز حبسهم له.
وفي دون ذلك ما كان فيه استبراء لطلبة الدم، فإذا لم يحق قبلهم حقًا إلى هذه الغاية فلا يحل حبسهم؛ لأن الطالب قد قال: لست أعرفهم بأعيانهم وإنما بلغني أنهم أربعة من هؤلاء الستة، وإبراء اثنين منهم وهو لا يعرفهما حتى تسميا له فأبراهما، فأي شيء – أكرم الله القاضي – أضعف من هذه الطلب.
وفي إطلاق هؤلاء ممن لم تقم عليهم شبهة ولا سبب يوجب حبسًا؛ من ثواب الله، ما نسأل الله أن يوفق الأمير للأخذ به، فإن السجن مقرون بالعذاب الأليم، فواجب على القاضي إنهاء ذلك إلى الأمير لاستعجال إدخال الثواب عليه إن شاء الله. قال بذلك ابن لبابة، وعبيد الله، وأيوب بن سليمان، ويحيى بن عبد العزيز، وابن وليد، ومحمد بن غالب.
مسألة الطبني الذي أصبح في داره بقرطبة مقتولاً:
أصبح الحاج أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله بن مضر التميمي الطبني مقتولاً على فراشه، في داره بالربض الشرقي بحاضرة قرطبة بحضرة مسجد الأمير، في آخر ربيع شهر من سنة سبع وخمسين وأربع مائة، ومشى ابنه مبيضًا منذرًا لجنازته للصلاة عليه لهجًا بأنه طرق ليلاً وقتل.
فاستنكر ذلك الوزير أبو الوليد بن جمهور، وأمر صاحب المدينة محمد بن هشام المعروف بالحفيد فنهض إليها ودخلها، وألفى المقتول مذبوحًا، فيه نيف على ستين ضربة بسكين، وتتبع في الدار أثر نزول فيها أو خروج عنها فلم يقع على أثر من ذلك، وألفى

الصفحة 702