كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

ثيابه مخبأة في بعض أركان الدار وسكين أقلامه في غرفة فيها دم، وفي سراويل بعض نسائه نضح دم، واستنطقهن فقالت واحدة منهن عن أخرى: هذه قتلته وأعناها نحن، وقالت: كان حقيقًا بالقتل منذ عام.
وكان ابناه ساكنين معه في الدار: المنذر لجنازته وهو الأكبر، وآخر ضعيف الأعضاء قد ضربته ريح، وقال هذا الضعيف: طرقه لصوص فقتلوه، ثم رجع إلى أن قال: إنما قتلته النساء، وإن أخاه الكبير كان واقفًا خلف باب البيت، وثبت موته وورثته، وأن ابني أخيه أحق الناس بالقيام بدمه مع ابنه المضعوف، وشاور في ذلك صاحب المدينة.
فأفتى ابن عتاب:
أنه لا قتل على من كان معه في الدار من نسائه وابنيه، إلا أن على كل واحدمهم القسامة أنه ما قتلهن ولا مالاً عليه، ولا شارك فيه ثم يطال سجنهم. واحتج في ذلك بمسألة قضى فيها القاضي أبو بكر بن زرب، وقال: في هذا المعنى مسألة تشبهها وتؤيده البينة والحجة، إلا أنه لم يجز بها عمل.
قال: ولما كان قول المرأة عن الأخرى: هذه قتلته وأعناها نحن – قولاً محتملاً أن تعني أنها أعانت بقول أو فعل؛ لم يكن عاملاً في قتلها، ولأنها لم تقل هذا إلا بعد البحث عليهن بالشرط وغيره وفزعهن من ذلك في المسألة التي عنى أبو عبد الله بن عتاب بقوله.
وفي هذا المعنى مسألة تشبهها، إلا أنه لم يجز بها عمل هي التي كتبناها قبل هذا من العشر. وذكرها ابن لبابة محمد بن يحيى في منتخبه فيمن خرج من دار، فدخل فيها قوم أثر ذلك فوجدوا فيها قتيلاً يسيل دمه. ونحوه في كتاب التفريع لأبي القاسم ابن الجلاب قال: وإذا وجد مقتولاً بقرية رجل معه سيف، وفي يده شيء من آلة القتل أو شيء من دم المقتول ولعيه آثار القتل؛ فذلك لوث يوجب القسامة لولاته، إلا أن ابن عتاب لما وجد ابن زرب قد قضى فيما يشبه مسألة الطبني بخلاف هذا وصار إليه واتبع العمل فيه.
ويسوغ أن يحتج له بما في سماع ابن القاسم في رسم تأخير صلات العشاء: في امرأة نزل بها رجل فمات فجأة، فاتهمت به، وسأل وليه مالكًا عن ذلك، وقال: أتهمها به من وجه لا أستطيع بثه. قال مالك: يكشف أمرها فإن كانت غير متهمة لم أر أن تحبس يومًا واحدًا وأرى أن يخلى سبيلها. قيل له: أفتهدد؟ قال: لا أرى ذلك إذا كانت غير متهمة.
قال ابن القاسم: فإن كانت متهمة حبست ولم يعجل تسريحها لعلها تعين عليها

الصفحة 703