كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

أقر بتحبيسها باحتجاجه بالتقية في عقد الحبس فيها، وبقتي التقية لم تثبت بوجه قاطع يوجب الحكم بها، والله يوف للصواب من يشاء؛ فقد ذلك بعض من تأخر من الشيوخ: أن اختيارهم لتجويز الشهادات على الخط في الأحباس؛ إنما كان لأنها لابد أن يقترن بها سماع التحبيس وفشوه عند الناس؛ فقويت بذلك الشهادة على الخط فيها وهو معنى معدوم في غيرها في الأغلب.
وسئل ابن زرب عمن كتب وصيته وأشهد عليها، ثم كتب في أسفلها بخط يده: هذه الوصية قد أبطلتها إلا كذا وكذا منها فيخرج عني، وشهدت بينة أنه خطه. فقال: لا ترد بهذا وصيته التي أشهد عليها، وهو كمن كتب وصيته بخط يده، ولم يشهد عليها حتى مات. وشهد على خط فيها؛ فلا تنفذ.
وفي أحكام ابن زياد في رجل تردد على القاضي مشتكيًا برجلين عدلين حينًا، ثم قام على المشتكي به ما رجل يدعوى فسأله القاضي بينه على دعواه فقال: يشهد لي شاهدان وسمي ذينك الرجلين اللذين شكاهما المطلوب وتظلم منهما، وقال القاضي: هل لك غيرهما؟ فقا: لا، فاستراب القاضي ذلك، وسأل الفقهاء الجواب في ذلك، فقالوا: التثبت – حفظ الله القاضي – فيالشهود من أولى الأشياء وأحقها لما ظهر في كثير من الناس من الشهادة بغير الحق، والذي استرابه القاضي – وفقه الله -، إلا في العدول المبرزين المعروفين بالفض والخير واستقامة الطريقة على طول الأيام ومرور المدد، فإن شهادة مثل هؤلاء لا يسقطها إلا التجريح بالعداوة، قال بذلك محمد بن وليد وابن لبابة وسعد بن معاد، وأيوب بن سليمان.
ولأصبغ في نوازله فيمن شهد عند القاضي لرجل على رجل قائم يسمع شهادته، فلما فرغ منها تحول إلى المشهور عليه، فقال له – والقاضي يسمع -: إنكم تشتمين، وتشبهني بالمجانين، وتهددني: أن القاضي لا يطرح عنه شهادته لهذا الكلام وشبهه إلا أن يثبت بينهما عداوة قديمة فليطرح عنه شهادته.
وفي الثانية فيمن شهد عند القاضي فلما وضع شهادته عنده قال: بلغين – رحمن الله – أن هذا – يريد المشهود عليه – يهددني وشتمني ويرميني بالمكروه، قال ابن الماجشون: قد أبطل شهادته ولا أرى للحكم أن يقبل؛ هذا بخير أنه عدوه فكيف يشهد عليه وفي أدنى من هذا الكلام طرح شهادته؟

الصفحة 71