كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

السجل جوابًا موعب مستقصى، لم يترك لقائل مقالاً. وما قاله في الإعذار إليه، فقد نزل مثل هذا في أيام الحكم المستنصر الله – رضي الله عنه – في ملحد كان يكنى بأبي الخيرن ولم يكن به وكمناه الناس بأبي الشر، وكان كذلك، شهد عليه بشهادات تشمل معاني من التعطيل والإلحاد، فشاور الناظر في أمره – وهو صاحب الوثائق – الفقهاء بقرطبة.
فأفتى القاضي منذر بن سعيد، وصاحب الصلاة أحمد بن مطوف، وأبو إبراهيم الطليطلي، وغيرهم، بقتله، وترك الإعذار إليه، وأفتى غرهم بالإعذار إليه، وأنهى الناظر في ذلك الأمر إلى الحكم، فا/ر بالأخذ بما أفتى به القاضي ومن وافقه؛ فقد قتله ولم يعذر إليه، وبهذا أقول في هذه القصة، واحتج القاضي منذر وأبو إبراهيم في ذلك بحجج يطول استجلابها. ولا حجة في تأخر الشهود في إقامة الشهادة عليه؛ إذ لم أعذار كثيرة في ترك القيام يعذرون بها. وأما من أجاره وستره ومنع منه، بعد المعرفة بذلك والوقوف على صحة الشهادات عليه، فهو في حرج شديد، ولا يحل له ذلك؛ لقول الله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ ولَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (المجادلة: من الآية 22) فمن أجاره أو منع منه بعد المعرفة بذلك، فقد حاد الله وشاقه، {ومَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ} (الحشر: من الآية 4).
وفي الحديث الثابت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "المدينة حرام فمن أحدث فهيا حدثا أو أوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل (¬1) "، وهذا عام في المدينة وغيرها، ويجب على من أوى هذا الملحد التبري منه لإقامة هذا الحد عليه.
وأما ما سألت عنه من أمر ما له فلا سبيل إليه في حياته، واختلف عن مالك في ميراث الزنديق؛ ففي كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال: أرى أن يورث الزنديق بوراثة الإسلام. قال ابن القاسم: وإذا شهد عليه بذلك فاتعرف وتاب لم
¬__________
(¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 3، ص 1160 برقم 3008، وابن حبان في صحيحه ج 9، ص 32 برقم 3717، والترمذي ج 4، ص 438 برقم 2127، والبيهقي في الكبرى ج 5 ص 196 برقم 9731، وأبو داود ج 2، ص 216 برقم 2034 والإمام أحمد في مسنده ج1، ص 119 برقم 959.

الصفحة 711