كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

وخرج المعتمد وخرجنا معه إلى رأس القنطرة، وصلب هناك بمحضره وحضرنا، نصف يوم الاثنين، لئر خلون نم رجب، وطعن بالرمح. والحمد لله الذي عافنا مما به ابتلاه، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً وصلى لله على محمد وأهله وذريته وسلم تسليماً.
قال القاضي: ورأيت من تمام هذه المسألة وصل مسألة أبي الخير بها، التي هي أصلها وشبيهتها في التعطيل والإلحاد.
مسألة الزنديق أبي الخير لعنه الله، وصفه الشهادات عليه:
شهد عندنا قاسم بن محمد، صاحب أحكام الشركة بقرطبة، وقاضي كورة استجة وقبوة محمد بن عبد الله التجبيي، إذ سمع أبا الخير يسب أصحاب البني (صلى الله عليه وسلم) أبا بكر وعمر وغيرهما، وسمعه أيضًا يقول: إن على بن أبي طالب كان أحق بالنبوة من محمد النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويرى الخروج على الأئمة رضي الله تعهم، وسمعه يقول أيضًا: إن الخمر حلال.
وأنه أتاه إلى السوق فقال له محمد بن عبدالله: إن السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم. وقال أبو الخير: ما كان أملي من الدنيا إلا خمسة آلاف فارس أدخل بهم الزهراء وأقتل من بها، وأقوم فيها بدعوةى أبي تميم، وكذلك يكون. فقال له محمد بن عبد الله: ليس أنت من الإسلام في شيء؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من أظهر علينا السلاح فليس منا (¬1) " ودفعه عن نفسه.
وشهد محمد بن أيوب بن سليمان بن ربيع: ا، هـ سمع أبا الخير يقول: إنما الناس كالعشب: رطب ويابس، ثم لا حساب عليهم ولا عقاب. فقال له محمد بن أيوب: أين قول الله عز وجل: {فَإذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} (يس: من الآية 51) وقوله: {فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (الشورى: من الآية 7)، فقال له أبو الخير: بعض القرآن خرافة، وبعضه لا شيء، وإنما لسيف يضم الناس لا الإقرار بها. وسمعه يطعن على أبي بكر وعمر وعثمان ورضي الله عنهم، ويطعن في خلافة أمير المؤمنين الحكم – أعزه الله – ويقول: لو كانت بسعة أسياف لكنت العاشر. وعدد عليه شر الخمر، فقال له أبو الخير: هو أحل من الماء للشرب والطهر.
وشهد سهل بن سعيد اللخمي: أنه سمع أبا الخير يقول: أما القرآن النصف الأول
¬__________
(¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 6، ص 2520 برقم 6480 ومسلم ج 1، ص 98 برقم 98.

الصفحة 714