كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

خالف مذهب مالك بن أنس رحمه الله بالفتوى أو غيره، وبلغني خبره؛ أنزلت به من النكال ما يستحقه وجعلته شردًا، وقد اختبرت فيما رأيت في الكتب أن مذهب مالك وأصحابه أفضل المذاهب، ولم أر في الصحابة ولا فيمن تقلد مذهبه غير السنة والجماعة؛ فليتمسك بهذا ففيه النجاة إن شاء الله.
ولما نفذ عهد أمير المؤمنين أعزه الله بصلب أبي اشر هذا، وظهر من سرور العامة والخاصة بذلك ما لم يظهر يهم، إلا أصبحوا إلى خلافته أعلاها الله.
كتب إليه إسحاق بن إبراهيم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سلام على أمير المؤمنين وإمام المسلمين، ورحمة الله وبركاته، والحمد لله الذي لا يزال أمير المؤمنين، سيدي وسيد المسلمين، يمده الله بتوفيقه، ويشد بصائره في الخير بتأييده، والذي من عليه بأن كان أول دم أمر بسفكه في خلافته امتعاضًا له عز وجل ولكتابه ولرسوله (صلى الله عليه وسلم)، وغضبًا على من استخف بعظمته واتخذ آياته ورسوله هزوًا، وذلك من فضل الله عز وجل على أمير المؤمنين، وعلى آبائه المهديين رضي الله عنهم، الذين قفا آثارهم وسار بسبيلهم في غضبهم لله عز ذكره، وشدة انتقامهم له من الملحدين والمارقين والمبتدعين.
فلو كان أمير المؤمنين سيدي بمرأى ومسمع من اجتماع رعيته بالأمس، عند ورود الشورى عليهم بما أمر به في الملحد أبي الشرح من استئصاله وقطع شأفته، وسروهم بذلك، واستهلاك جميعهم بالدعاء، والرغبة إلى الله في إعزازه ونصره، وطول بقائه، مع شكرهم له عز وجل على ما اختصم به وفضلهم على جميع أهل الأرض من خلافته، وأطلعهم عليه مما كانت آمالهم قائمة فيه، وراجية منه – لتضاعف سروره – أعزه الله بالحسنة التي تقرب إلى الله بنها في هذا الملحد، وليتبين أن ليس في المسلمين رعية أرغب في إحياء السنة وإتباعها، والحب لإمامها، والشفة عليه والتكلف به – من رعيته.
فلقد رأيت الناس – أبقى الله أمير المؤمنين سيدي – يتلاقون بالتهاني بما أطلعهم الله عليه من باطن أمير المؤمنين إمامهم، في الغضب ولكتابه ولرسوله وللسلف الصالح من صحابته، ولشدة بطشه وعزمته في الانتقام ممن طعن في الدين؛ ما عظم به سروري لأمير المؤمنين سيدي، وبجماعة المسلمين، لعلمي بأنها سيتزودها الركبان إلى جميع أمصار المسلمين وبلدانهم، على أفضل ما قد أطلع الله عليه رعية أمير المؤمنين من نيته واجتهاده، مما لو أنه رام أن يجمع قلوبهم بقوة سلطانه على ما اجتمعت عليه من ذاتها، لما بلغته طاقة

الصفحة 721