كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

إلا إلى أقل من ذلك، ولكن الله عز وجل أوصى إليها ما أوصى فتحقق عندها ما لا يتحقق إلا ما عنده، إلا فيما يظهرهم عليه من غيبة، فتبارك الله رب العالمين.
ثم شفع أمير المؤمنين سيدي – أبقاه الله – ما كان تقدم من عهده في هذا الملحد بما جاوب به الوزير عيسى بن فطيس، فيما أنها إليه مما اعترض به من اعتراض في الإعذار فيما ثبت عليه، فبدرت إلى انتساخ ذلك الجواب وأذعته يمن حضرني، فكان سرورهم به كسرورنا وسرورهم بما غدونا عليه من الفرج به غداة خلافته، بل أكثر من ذلكن ثم خرجت بالنسخة إلى من حضرني بالمسجد وقد احتفل من الداعين والمبتهلين والراغبين، فقرأته عليهم، فكلهم دعا بما لا شك أن الله لا يضيعه لهم في أمير المؤمنين إمامهم وكهفهم وحائطهم، ثم تبادر الناس إلى نسخه، فانتشر فيهم كأسرع شيء، فلم تزل طائفة بعد طائفة تنسخه إلى السماء، حتى كأن الله عز وجل إنما استخلفه عيهم تلك الساعة، فهنيئًا لأمير المؤمنين في سيدي ما من الله به عليه وجمعه له، من طاعته لربه، ورسوخ محبته في قلوب رعيته، واستنامتها إلى إمامته.
وبعد – أبقى الله أمير المؤمنين سيدي – بأني لم أشك في هذا الملحد وأصحابه: أن الله ينتقدم منهم بك وعلى يدك، مذ اللهممك إلى التذلل له مما تسميت به من استضارك به، فكفى بهذا تسليمًا وخضوعًا لعزته، ثم هو أصحابه في فضض لعنة الله وخزيته التي أوعدهم بها في كتابه وعلى لسان رسوله، فمما أودعهم به قوله تبارك اسمه وتعالى: {إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وإثْمًا مُّبِينًا} (الأحزاب: 57 – 58)، وهو منجز لهم ذلك عاجلا وآجلا.
ومما أوعدهم به على لسان رسوله قوله (صلى الله عليه وسلم): "دعوا أصحابي لا تتخذونهم غرضًا، فمن أحبهم فبحيبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه الله (¬1) "؛ فمن كان – أبقى
¬__________
(¬1) ... الحديث أخرجه الترمذي ج 5، ص 696 برقم 3862، وقال: حديث غريب، والإمام أحمد في مسنده ج4، ص 77 والروياني في مسنده ج 2، ص 92 برقم 882، والبيهقي في الشعب ج 2، ص 191 برقم 1511، والخلال في السنة ج 3، ص 513 – 514 برقم 830، وابن أبي عاصم في السنة ج 2، ص 479 برقم 992.

الصفحة 722