كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

الله أمير المؤمنين سيدي – الله وكتابه ورسوله يطالبه؛ فهو في فضض لعنته، والكتاب والرسول خصماؤه، فأين يفر من سمائه وأرضه.
لم يمنعني – أبقى الله أمير المؤمنين – أن أكون مكان كتابي هذا معينًا له ومشافهًا بدعائي وابتهالي، إلا بمعرفتي برأفته ورغبته في الرفق بي والصون لي من ريح هذا اليوم وبرده، وما نزل من الماء فيه بشكر الله له، ما أعجزه عنه من قضاء حقوقه، وكفاه علي بأفضل ما يحفظه مني آمين آمين، والسلام على أمير المؤمنين سيدي ورحمة الله.
فأجابه أمير المؤمنين – أبقاه الله – في ظهر كتابه جوابًا نسخته: إلى اسحقا بن إبراهيم الفقيه، قرأنا كتابك وفهمناه، والحمد لله الموفق لنا، الذي أجرى على أيدنا وفي أيامنا هذه المكرمة، وجزاك الله عن الذب عن الدين خيرًا، فقد وقع من أفضل موقع، وإنما كان ما ألقى من الكلام نزعة من نزعات الشيطان، وألقية ألقاها على أسنتهم، ولولا البدار لدار لدارت أمور وأمور، والحمد لله الذي ألهمنا إلى البدار، وقطع على أيدينا طرفًا من الكفار، وقد بلغني أن جماعة على مذهبه، وأمرت الحكام بالتشديد عليهم وإخافتهم.
وبلغني أن قومًا يفتون بغير مذهب مالك بن أنس، وأنهم يرخصون في الطلاق وغيره بمناكير من الفتوى، وكل من زاغ عن مذهب مالك، فإنه ممن رين على قلبه، وزين له سوء عمله، فقد نظرت في أقاويل الفقهاء، ورأيت ما صنف من أخبارهم إلى يومنا هذا؛ فلم أر مذبًا ولا أنقى ولا أبعد من الزيغ من مذهبه، وجل من يعتقد مذهبًا من مذاهب الفقهاء؛ فإن فيهم الجهيمي والرافضي والخارجي، إلا مذهب مالك، فإني ما سمعت أن أحدًا تقلد مذهبه قال بشيء من هذه البدع، فالاستمساك به نجاة إن شاء الله.
وقد أحسنت في توقفك، وما أحب إلي ما أحاطك الله به وأصلح من حالك، فقد قلت لمن حضرني يوم السبتي بعد خروجك: لن يزال هذا البلد بخير ما كان فيه هذا الشيخ؛ فكثر الله مثله فهذه بصيرتي فيك. فاعلمه، والسلام عليك.
ولما ورد جواب أمير المؤمنين الحكم بن عبد الرحمن – أعزه الله – هذا على اسحقا ابن إبراهيم، اجتمع إليه طلبة العلم فرغبوا إليه في انتساخه، فأباح لهم ذلك، وسألوه أن يشرح لهم أصل هذه الفتوى المذكورة عنه وعمن قال مثل قوله، في قطع الإعذار عن أبي الشر استعدادًا بها، وتخليدًا لها على من ظهر منه أو ثبت عليه شيء مما ثبت على هذا الملحد.

الصفحة 723