كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

فقال إسحاق بن إبراهيم: لم يجر بيني وبين أصحابي فيما سأتلهم عنه مذاكرة أكثر من اجتماعنا على وجوب قتله بغير إعذار؛ إذ ببعض ما ثبت عليه كان يجب قتله بلا إعذار، فكيف بما اجتمع عليه في الشهادات المشهود بها فيه من ضروب الكفر، التي لم أسمع بإجماعها في أحد ممن شهد عليه بالإلحاد، وعرف به، أو نسب إليه شيء منه، قديمًا ولا حديثًا؟ ولكل ذلك قد قاد أصلا احتمل عليه.
فمن أصلي في إسقاط الإعذار إليه فيما تقدم ذكره عني: الاحتمال في ذلك على مذهب مالك (رضي الله عنه) في قطع الإعذار عمن استفاضت عليه الشهادات في الظلم، وعلى مذهبه في السلابة والمغيرين وأشباههم إذا شهد عليهم المسلبون والمنتهبون، بأن تقبل شهادتهم عليه إذا كانوا من أهل القبول، وفي قبولهم عليهم سفك دمائهم مما يحكم به على المحاربين، إذا كان الشهود جماعة، وقد وقف مالك على الجماعة كم هي؟ فقال: أربعة فما زاد.
وفي الرجل يتعلق بالرجل وجرحه يدمي، فيصدق عليه، وفي البكر تتعلق بالرجل وهي تدمي فتصدق عليه، وفي التي تتعلق بالرجل بالمكان الخالي وقد فصحت نفسها بإصابتها لها فتصدق عليه بفضيحة نفسها، وفي الذي وجده (رضي الله عنه) عند أحد الحكام وهو يضرب؛ لدعوى صبي قد تعلق به وهو يدمي، فصدقه الحاكم فيما ادعاه عليه من إصابته له، فلم يزل يضرب ومالك جالس عنده، حتى ضرب ثلاث مائة سوط، وهو ساكت لا ينكر ذلك، إلى ما قد كان تقدم له قبل نزوله عليه من الضرب، وقد بلغني أنه انتهى به الضرب إلى ستمائة سوط.
وفي أهل حصن من العدو يأتون مسلمين رجالاً ونساء، حوامل وغير حوامل، فيصدقون في أنسابهم ويتوارثون بذلك، إذا كانوا جماعة لهم عدد، إلا أن يكونوا يسيرًا: السبعة والثمانية، قال ابن القاسم: والعشرون عندي جماعة دون عذر.
فأين الإعذار من هؤلاء كلهم؟ فإذا كان مالك يرى هذا في أهل الظلم للناس والسلابين والهجامين والمتهبين، وفيمن يلحق بدار الإسلام من المشركين، فالظلم لله عز وجل ولكتابه ولرسوله أحق بان يقطع عنه الإعذار، فيما ثبت عليه من الكفر به والإلحاد والتكذيب لكتابه ولرسوله لو لم يستفض عنه كل ما استفاض، فكيف بما ثبت عليه وانتشر عنه بمن قد شهد في الكتاب الذي انعقد عليه به الشهادات، بمن لم يشهد فيه.
ولو لم يستفض ذلك عنه إلا ممن شهد عليه في ذلك الكتاب خاصة؛ لعظمت

الصفحة 724