كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

الاستفاضة بهم عندي، ولقبلت جميعهم؛ إذ هم أوجلهم من حملة القرآن وطلبة العلم وحجاج ومجاهدون وعمار مساجد، فكيف، وليس بالأندلس بلد إلا وهو يغلي بالشهادات عليه بما أذاع فيهم من هذا الإلحاد.
فهذه سبيلي فيه وفي أمثاله التي أقول بها وأدعو إليها على بصيرة مني فيها؛ إذ وقت على جميع ما انعقد عليه من الشهادات فوجدتها تشتمل على الكفر بالله والتكذيب لكتابه ولرسوله مع الطعن على الأئمة المهديين والسلف الصالح من المؤمنين، ومع ما كان يدعو به يظهر العزيمة فيه من الخروج على إمام المسلمين – أعزه الله -، وحمل السيف على رعية المسلمين وسيي ذراريهم وإحالة الملحدين أمثاله عليهم، وإحالة في كثير منها لكل ما حرم الله في تنزيله وعلى لسان رسوله من الفواحش،، حاشا نبذتين أو ثلاث من مذاهب المعتزلة، ومثلها من مذاهب الرافضة اللعينة والشيعة المخزية.
ومن تحرج في تعجيل روحه إلى النار فإني متقرب إلى الله عز ذكره بإسقاط التوسعة عليه في طلب المخارج له بالإعذارات، والإسراع به إلى ما أوعد الله به الذين يلحدون في آياته، ولو لم أجد لمالك أصلا فيما تقدم ذكره عنه في هذا الكتاب؛ لنزعت إلى أصله في موطئه للحديث المأثور فيه عن النبي (صلى الله عليه وسلم): "إنما أنا بشر (¬1) " وهو أم القضايا ولا إعذار فيه ولا إقالة من حجة ولا من كلمة، وإلى كتاب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى أبي عبيدة بن الجراح وأبي موسى الأشعري وهما أيضًا ملاذ الحكم والأحكام بعد حديث النبي عليه الصلاة والسلام وليس فيهما إعذار ولا إقالة من حجة ولا من كلمة غير قوله: اضرب للطالب أجلا ينتهي إليه، لم يقل: اضرب لمن ثبت عليه حق أجلا ينتهي إليه.
غير أن الإعذار فيما يتحاكم الناس فيه من غير أسباب الديانات استحسان من أئمتنا، وأنا على اتباعهم فيه والأخذ به على بصيرة مستحكمة فيما أوجبوا الإعذار فيه من الحقوق، وألزم التسليم ما استحسنوه؛ إذ هم القدوة والهداة.
فأما في الإلحاد والزندقة والتكذيب للقرآن وللرسول وفي إقامة الحدود فلم أسمع به ولم أره لأحد من وصل إلينا علمه في مقبول الشهادات نأخذ به.
وقد تدور عند حكامنا شهادات لا إعذار فيها بلا اختلاف بين من أدركنا ولا بين
¬__________
(¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 2، ص 867 برقم 2326، ومسلم ج 3، ص 1337 برقم 1713.

الصفحة 725