كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

من مضى من مشايخنا، منها ما ينعقد في مجالس الحكام ممن المقالات والإقرارات والإنكارات بشهادات من يحضرها عندهم من المقبولين في الدماء والفروج والأنساب والنكاحات والطلاقات والأموال وغيرها من صنوف الحقوق وكلها بلا إعذار في شيء من هذه الشهادات بإجماعه من مضى وممن بقي.
ومنها شهادات من يعذر بهم الحكام إلى من تحجبه الأحوال المانعة من مشاهدة مجالسهم، فلا يجدون بدًا من الإعذار إليهم، وربما كان الإعذار بواحد وربما كان باثنين أو أكثر على ما يراه الحكم، فلا إعذار في ذلك كله بإجماع من مضى ومن بقي.
ومنها شهادات من يوجههم الحكام إلى امتحان ما لا غنى بهم عن امتحانه ممن يثقون به، وإلى حيازة ما شهد فيه عندهم ومما لابد أن يحاز، والى تنفيذ ما لا يمكنهم إنفاذه في مجالسهم، وإلى معاينة شخوص وأعيان في ضروب شتى لا يمكن نقلها إلى مجالسهم لأسباب يطول ذكرها، ولا إعذار في شيء من هذه الشهادات عندهم بإجماع ممن مضى وممن بقي.
وربما اكتفى في كثير منها بواحد فهل هذه كلها إلا شهادات؟ وهل بينها وبين غيرها فرق في شيء.
ومنها استفاضة الشهادة المشهود بها عند الحكام في الأنساب القديمة والحديثة، وفي الموت القديم والحديث، وفي النكاحات القديمة والحديثة، وتواريخ أقضيتهم ومددها وفي الولاء القديم، وفي الأحباس المتقادمة، وفي الضرورات تكون بين الأزواج في أشياء سوى هذه يطول ذكرها، وفي بعض ما ذكرنا كفاية من بعضها.
فهل هذه كلها إلا شهادات كالتي قبلها؟ هذا إلى ما ارجأت ذكره مما مضى به نظر الأئمة المهديين رضي الله عنهم من لدن عمر بن الخطاب فمن بعدهم مما تفردوا بانفراده وأمضوا أحكامهم به على الاستفاضة.
بل بدونها في استئصال الشكاك والملحدين والمتهمين بالتعطيل، وتطهير البلاد وإراحة العباد منهم، ولعلمهم بما لهم من ثواب الله في حياطة الديانة وإصلاح الخاصة والعامة ما قد حمدته هم العلماء والفقهاء والصالحون في أزمتهم، وبعدها، إلى يومنا هذا.
والذين يعلمون ما أقول ولو ألم أنزع بهذا كله ولم يثبت على هذا الملحد كل ما ثبت عليه إلا ما كان يعد به جلساؤه ومن يستنيم إليه من الخروج على إمام المسلمين -

الصفحة 726