كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

فجاوب:
هذا شيء أكره الخوض والتكلم فيه فإذا قد وقع فأقول والله أعلم إن البدع كلها مذمومة من اعتقد شيئًا منها؛ وبعضها أعظم من بعض – عصمنا الله منها – ولم يقبض الله نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) حتى ترك أمته على الواضحة وأمرهم بالتمسك بالكتاب والسنة.
وروي عيسى من ابن القاسم وسئل عن أهل الأهواء هل يعطون من الزكاة؟ فقال: إن نزلت بهم حاجة أعطوا من الزكاة، وهم من المسلمين يرثون يورثون.
وقال ابن القاسم في المدونة: رأيت مالكًا إذا قيل له في إعادة الصلاة خلف أهل البدع يقف ولا يجيب.
وقال ابن القاسم: أرى عليه الإعادة في الوقت، ورويي ابن وهب عن مالك في موضع آخر من سماعه: قيل لمالك: أرأيت من صلى خلفهم فريضة؟ فقال: ما أحب أن أبلغ ذلك كله، أرأيت لو صلى خلفهم سنين؟ فلم يختلف قول مالك في منع الصلاة ابتداء، فإن صلى فروى عنه التوقف.
وروى عنه ألا يعيد وكان سحنون يقول: فإن أعاد فحسن وإن لم يعيد فلا شيء عليه، وكان يضعف الإعادة، ويرى ألا يعيد في وقت ولا غيره.
قال: وكان جميع أصحاب مالك يقولون – أشهب والمغيرة وغيرهما -: إنه لا تعاد خلفهم وإنما يعيد من صلى خلف يهودي أو نصراني. وقاله محمد بن سحنون.
وممن قال يعيد في الوقت وغيره أصبغ، على خلاف عنه، إذ قد روي عنه الإعادة وروي عن محمد بن عبد الحكم وغيره الإعادة أبدًا وذهب إليه ابن حنبل وغيره.
وأما أصحاب الذنوب والكبائر – أجارنا الله من ذلك كله وعصمنا – فإن الله تعالى قال في كتابة {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (الزمر: من الآية 53) في آي كثيرة: فالمسرف على نفسه ظالم لنفسه، والكبائر مذمومة كلها وبعضها أشد وأعظم من بعض وقد روي عن كثير من أصحاب مالك أنه قال في مسألة: وقد يكون في غير أهل الأهواء من هو أشر من أهل الأهواء.
والأمر فيما سألت عنه راجع إلى مشيئة الله تعالى: {وإيه يرجع الأمر كله} (هود: من الآية 123) {فعال لما يريد} (هود: من الآية 107)، عدل في جميع ذلك، لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ولا يقطع عيهم بنار والله عز وجل أعلم.

الصفحة 728