كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

قال القاضي:
قال بان حبيب في السادس من الواضحة: ومن عرف ببعض الأهواء المخالفة للجماعة مثل الإباضية والمرجئة أو القدرية وأشباههم فلا يصلي خلفهم، ولا يصلي خلف إمام ضال، ومن صلى خلفه فليعد في الوقت وبعده؛ لأن الصلاة رأس الدين، وأولى ما أحيط فيه.
وهذا في إمام يصلي بالناس بغير ولاية ولا سلطان؛ لأنه مندوحة من تركه إلى الصلاة خلف غيره؛ وأما إذا كان إماما تؤدي إليه الطاعة أو قاضيه أو صاحب شرطته أو خليفته على الصلاة فلا إعادة على من صلى خلفهم وصلاته جائزة، هكذا فسره لي من لقيته من علماء المدينة؛ مطرف وابن الماجشرون وغيرهما.
وفسر لي أيضًا ابن عبد الحكم وأصبغ بن الفرج وهو الذي عليه أهل السنة وابن سحنون من هذا في قوله: جميع أصحاب مالك يقولون: لا يعيد من صلى خلفهم؛ أشهب والمغيرة وغيرهما، وقع هذا عنه في مساع عيسى في كتاب المحاربين وزاد ابن مكنانة وغيرهم، وأما تكفير أهل البدع فقد سئل أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي عن ذلك وقيل له: هل يكفرون؟ ويقطع بتخليدهم في النار؟ وأنهم لا يقبل منهم توبة فإن قومًا يزعمون ذلك ويقولون: من لم يكفرهم فهو كافر؟
فجاوب: اعلم – أرشدك الله – أن أول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج بتحكمهم على الله بأنه لا يكون منه يمن خالفهم إلا تخليدهم في النار إذ كانوا قد كفروا من خالفهم واستحلوا دمه فسمتهم الصحابة وجماعة المسلمين خوارج أي عن سبيل الجماعة وسنة الإسلام لأنهم لم يقطعوا مواريثهم ولا أبانوا نساءهم منهم ولا أفرزوا قبورهم من قبول المسلمين ولا أحكامهم عن أحكامهم.
ثم احتمل على ذلك بدهم مالك وأهل بلده والليث بن سعد والأوزاعي وابن أبي سلمة وغيرهم من أهل الحجاز والعراق والشام ومصر، فأما ن قطع كما ذلك على الله بأنه لا يقبل توبة مبتدع فقد خرق إجماع المسلمين ورد على رب العالمين. قال الله سبحانه: {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب} (غافر: من الآية 3)، وأما تكفيرهم فهي طريقة إخوانهم من الخوارج التي ذكرناها والله يعصمنا وإياك من مضلات الفتن برحمته.

الصفحة 729