كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

وسئل أبو عمر أحمد بن هشام الأشبيلي: عن ذلك فجاوب، وفقنا الله وإياك لطاعته وعصمنا بما عصم به أولياءه وأهل محبته: البدعاء أمر عظيم عند أهل العلم يخاف عليهم الخلاف فيما يعتقدون، تبغضهم القلوب ويشتد غضب المؤمنين عليهم، ولا يخرجون من الإسلام بذلك.
وقد تكلم الناس في هذا وهو الذي وجدنا عليه الفقهاء أهل مدينة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن اتبعهم، وفقنا الله لما يرضيه منا إن شاء الله والسلام عليك.
قال القاضي: الصحيح عندي في أهل البدع أنهم صنفان، وأن البدع نوعان.
فالنوع الواحد منهما كفر صراح لاخفاء به، وضلا لائح لا ستر يخفيه، كقول بعض الرافضة – لعنهم الله – إن عليا (رضي الله عنه) الله من دون الله – تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا – وكقول صنف آخر منهم يقال لهم الجمورية: إن عليا – عليه السلام – نبي مبعوث وإن جبريل عيه السلام غلط؛ بعث إليه فأتى محمد (صلى الله عليه وسلم) أفيحل لمسلم يعلم الله وسوله ويؤمن بما أنزله عليه من كتابه أن يقول إن هذا غير كفر وإن معتقده والقائل به غير كافر؟.
بل هذا هو الكفر الصراح، والقائل به كعابد وثن كافر مفتر على الله عز وجل مخلد في النار لا يربح رائحة الجنة أبدًا، من قال بغير هذا وارتاب فيه فكافر مثلهم أو شاك قد أضل دينه وأخطأ طريقه.
والنوع الثاني من البدع ضلال وزيغ عن الحق وعدول عن السنة والجماعة، لا يطلق عليه كفر ولا على معتقده كافر كقول المختارية من الرافضة: إن عليا إمام؛ من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، والأئمة من ولده يقومون مقامه في ذلك، وكقول صنف منهم يفضل عليًا على الناس كلهم، ولا نطعن على أبي بكر وعمر ونطعن على عثمان بأنه غير. وقال لهم: الزيدية.
وكقول الشيعة منهم: أبو بكر وعمر أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على التقديم، وعلى أحب إلينا.
فهذه كلها بدع خارجة عن رأي جماعة المسلمين، لا نقول إنها كفر ولا إن معتقدها كافر، ولا يمتري ذو حسن في خفتها في التي قبلها ولا في كونها من غير جنسها.
ومثل هذا في التنويع كثير في غير الرافضة من المرجئة والجهمية والقدرية وغيرهم؛

الصفحة 730