كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

واحتجوا بمسائل الشفعة وغيرها، وقيل: لا تجب اليمين إلا بخلطة في الأشياء المعينة وغيرها، قال عبد الحق: وهذا أبين عندي؛ لأن الخلطة غنما رآها العلماء للمضرة الداخلة لو سمع من كل مدع.
وادعت امرأة أن محمد بن إسماعيل بن المقريطي صار في دارها وهدمها وأخذ بعض أنقاضها، وقيمة ما أخذ كذا، وأنه قلع أسسها، وزرعها مدة من خمس أوام، وأنكر ابن المقربطي دعواه.
فجاوب أبو محمد عبد الله بن دحون: لا يخفى مثل هذه الحال من النقض والزراعة على الجيران، فإن شبهت في دعواها بشبهة وجبت اليمين على محمد المقربطي.
وجاوب أبو المطرف بن جرح: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" فإن أقامت المرأة البينة على ما ادعت وإلا حلف محمد بن المقربطي على إنكار دعواها.
وقال الشيخ أبو عبد الله بن عتاب: مذهب مالك رحمه الله فيمن ادعى عليه بمال من مبايعة أو غيرها: االيمين لا تجب عليه إلا بخلطة وملابسة، ومن ادعى عليه غصب أو سرقة لم تجب عليه اليمين إلا أن يكون متهمًا بذلك، وإن ادعى عليه أنه قذفه لم تجب عليه اليمين إلا أن تشهد بينة بمنازعة كانت بينهما وتشاجر فتحب اليمين حينئذ.
وإذا ادعت المرأة الطلاق أو العبد العتق لم يحلف الزوج ولا السيد، إلا أن يقيما شاهدًا واحدًا، وأمثال هذا كثير، هذا مذهبه ومذهب أصحابه.
وقد أوجب بعضهم اليمين بنفس الدعوى ومجردها، وذلك قليل، منه قوله في القاتل يدعي أن ولي المقتول عفا عنه قالك يحلف وأنكره أشهب، وقال: أرايت إن حلف فلما قرب للقتل قال: قد عفا عني ثانية [ترى أن يحلف له]
قال ابن عتاب في جواب له: آخر مذهب مالك أن كل دعوى لا تلحق اليمين فيها بمجردها حتى يقارنها سبب، فإذا قارنها سبب لحقت اليمين، والأسباب تختلف وبعضها أقوى من بعض. هذا تحصيل المذهب، وفي بعض فروع هذه المسألة اختلاف بين أصحاب مالك.
وما روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "البينة على المدعي واليمني على من أنكر" فقد زاد فيه بعض الناقلين له من أهل المدينة "إذا كانت بينهما خلطة" وهذه الزيادة مقوية

الصفحة 77