كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 1)

- الْمَعْنى فى طيى ثَلَاثَة أوجه طَيء بِوَزْن طيع وبوزن طيع وَهُوَ مخفف من طيع كهين وهين وميت وميت وطى على قلب الْهمزَة وإدغامها فى الْيَاء وَمن صرفه أَرَادَ الحى وَمن لم يصرفهُ أَرَادَ الْقَبِيلَة وَكَانَ الأَصْل فِيهِ فى النّسَب طيئى على وزن طيعى فقلبوا الْيَاء الأولى ألفا وحذفوا الثَّانِيَة وَهُوَ طَيء بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ طائى على غير قِيَاس والرزايا جمع رزية وهى الْمُصِيبَة والغور مَا انخفض من الأَرْض ونجد مَا ارْتَفع من الأَرْض وغور إِذا أَتَى الْغَوْر وأنجد إِذا أَتَى نجدا الْمَعْنى يَقُول هم رزايا الْأَعْدَاء وعطايا الْأَوْلِيَاء وهم حلفاء هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِى ذكرهَا لَا تفارقهم فهم أَصْحَابهَا وَهُوَ من قَول الطائى
(فإنَّ المَنايا والصَّوَارِمَ والقَنَا ... أقارِبُهُمٍ فِى البأْسِ دُونَ الأقارِبِ)

35 - الْإِعْرَاب اللَّام الْمَفْتُوحَة لَام الاستغاثة وَالْعرب تَقول إِذا استغاثت فى الْحَرْب يَا لفُلَان الْغَرِيب جلهمة اسْم طَيئ وطيئ لقب لَهُ الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح إِذا صحت بهم تحدق بك السيوف والرماح فتغطي عَيْنَيْك كَمَا تغطيها الأشفار وَقَالَ ابْن فورجة إِذا صحت بهم اجْتمعت إِلَيْك فهابك كل أحد حَتَّى كَأَنَّك إِذا نظرت إِلَى رجل بِعَيْنَيْك أشرعت إِلَيْهِ رماحا وسلك عَلَيْهِ سيوفا وَتَحْقِيق الْكَلَام أَنهم يسرعون إِلَيْك لطاعتهم لَك ويحفون بك فَتَصِير مهيبا تقوم أشفار عَيْنَيْك مقَام الذابل والمهند وَقَالَ الواحدى كَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو بكر يَقُول يُرِيد أَنهم يتسارعون إِلَيْك ويمثلون الدُّنْيَا عَلَيْك رماحا وسيوفا هَذَا كَلَامه وتحقيقه حَيْثُمَا يَقع بَصرك رَأَيْت الرماح وَالسُّيُوف فتملأ من كثرتها عَيْنَيْك وتحيط بِعَيْنَيْك إحاطة الأشفار بهَا اه وَالْمعْنَى من قَول بَعضهم
(وَإِذا دُعوا لِنزالِ يَوْم كَرِيهَة ... ستروا شُعاعَ الشمسِ بالخُرْصانِ)

36 - الْإِعْرَاب قلبا نصب على التَّمْيِيز وأجود مَرْفُوع بإضمار مبتدإ تَقْدِيره وَهُوَ أجوز وَقد روى أكبر بِالرَّفْع فرفعه على مَا ذكرنَا الْغَرِيب تهَامَة بلد وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا تهامى وتهام أَيْضا إِذا فتحت التَّاء لم تشدد كَمَا قَالُوا رجل يمَان وشآم إِلَّا أَن الْألف فى تهام من لَفظهَا وَالْألف فى يمَان وشآم عوض من ياءى النِّسْبَة قَالَ ابْن أَحْمَر
(وكنَّا وهُمْ كابنى سُباتٍ تفَرّقا ... سِوًى ثمَّ كَانَا منجدا وتِهاميا)

(فألْقَى التِّهامىّ مِنْهُمَا بلَطاته ... وأحْلط هَذَا لَا أرِيم مَكانيا)
فى اللِّسَان فى مَادَّة جلط وأحلط هَذَا لَا أَعُود ورائيا وَقوم تهامون كَمَا قَالُوا يمانون وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ من النَّاس من يَقُول تهامى ويمانى وشآمى بِالْفَتْح مَعَ التَّشْدِيد والغوادى جمع غادية وهى السحابة الَّتِى تطلع صباحا والجود الْمَطَر الغزير تَقول جاد الْمَطَر يجود جودا فَهُوَ جائد وَالْجمع جود مثل صَاحب وَصَحب وَقد جيدت الأَرْض فهى مجودة قَالَ الراجز
(أرعيتُها أكرمَ عُودَا ... الصَّلَّ والصّفْصِلَّ واليَعْضِيدا)

(والخازِباِز السَّنَمِ المُجودا ... بِحَيْثُ يدعُو عامرٌ مسعودَا)
وجاد الرجل بِمَالِه يجود جودا بِضَم الْجِيم لَا غير الْمَعْنى يَقُول إِذا صحت بالجلهمة أَتَاك قوم من كل أكبر فَمن مُتَعَلقَة بِمَحْذُوف قلبا من جبال تهَامَة يعْنى فى الْقُوَّة والشدة لَا فى الْقدر أَجود من جود السَّحَاب فوصفهم بالشجاعة وَالْكَرم وهما غَايَة الْمَدْح
37 - الْإِعْرَاب يجوز تعلق الْبَاء بِالْفِعْلِ وبالحال وَمن دم صفته أَحْمَر وبخضرته مُتَعَلق بذهبت الْغَرِيب خضرَة السَّيْف يُرِيد خضرَة جوهره وَالْحَدِيد يُوصف بالخضرة والطلى الْأَعْنَاق واحدتها طلاة فى قَول أَبى عَمْرو وَالْفراء وَقَالَ الأصمعى طلية والأكبد جمع كبد وَقيل هُوَ على هَذَا الْجمع جمع كبد كَعبد وأعبد وَجمع كبد بِكَسْر الْبَاء أكباد وكبود كوتد وأوتاد الْمَعْنى يُرِيد أَنه يلقاك كل وَاحِد مِنْهُم متقلد السَّيْف قد احمر من الدَّم وزالت خضرَة جوهره بدماء الْأَعْنَاق والأكباد فَكَأَنَّهُ أبدل من الخضرة حمرَة من دم الْأَعْنَاق والأكباد وَهَذَا // معنى حسن //
38 - الْغَرِيب روى ابْن جنى وَجَمَاعَة حَتَّى وروى العروضى حى والأعبد جمع عبد يُقَال عبيد وأعبد وَعباد وعبدان وعبدان وعبدى وَقد بَينا هَذَا الْجمع وَمَا قيل فِيهِ فى كتَابنَا المرسوم بأنفس الاتخاذ فى إِعْرَاب الشاذ فى سُورَة الْمَائِدَة الْمَعْنى فى رِوَايَة ابْن جنى مَعْنَاهُ حَتَّى يُشِير إِلَيْك النَّاس هَذَا مَوْلَاهُم أى سيدهم أى سيد جلهمة 1 وهم سادة الْخلق والخلق عبيد لَهُم وفى رِوَايَة أَبى الْفضل هم حَتَّى يشار إِلَيْك يعْنى هم حى أَنْت سيدهم يُشِير الْخلق إِلَيْك بأنك سيدهم وهم سادوا النَّاس
39 - الْإِعْرَاب فى هَذَا تعسف لِأَنَّهُ فصل بَين المتبدإ وَالْخَبَر بجملة ابتدائية أَجْنَبِيَّة وَتَقْدِير الْبَيْت كَيفَ يكون آدم أَبَا الْبَريَّة وَأَبُوك مُحَمَّد والثقلان أَنْت يُرِيد أَنْت جَمِيع الْإِنْس وَالْجِنّ الْمَعْنى يَقُول كَيفَ يكون آدم أَبَا الْبَريَّة وَأَنت ابْن مُحَمَّد وَالْجِنّ وَالْإِنْس أَنْت يعْنى أَنَّك تقوم مقامهما بِفَضْلِك وكرمك وَقيل إِن أَبَا تَمام لما اعتذر إِلَى أَحْمد بن أَبى دواد وَقَالَ لَهُ أَنْت جَمِيع النَّاس وَلَا طَاقَة لى بغضب جَمِيع النَّاس قَالَ لَهُ أَحْمد مَا أحسن هَذَا فَمن أَيْن أَخَذته قَالَ من قَول أَبى نواس
(ولَيْسَ عَلى اللهِ بِمُسْتَنْكَرٍ ... أنْ يَجْمَعَ العالمَ فِى وَاحِدِ)

40 - الْغَرِيب ينْفد يفنى وَمِنْه لنفد الْبَحْر الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح لَو اتّفق لَهُ أَن يَقُول مَا يفنى بِمَا لَا يفنى أَو مَا ينْفد بِمَا لَا ينْفد لَكَانَ أحسن فى صناعَة الشّعْر وَقد أَتَى بِالْمَعْنَى مَعَ اخْتِلَاف اللَّفْظ وَهُوَ // حسن جيد // لِأَن ينْفد بِمَعْنى يفنى وَالْمعْنَى الشّعْر يفنى وَيَنْقَطِع ووصفكم لَا يفنى وَكَيف يُحِيط مَا يفنى بِمَا لَا يفنى وَهَذَا مُبَالغَة فى الْمَدْح

الصفحة 338