كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 1)

- 1 - الْإِعْرَاب أيا من حُرُوف النداء والمنادى مَحْذُوف تَقْدِيره أيا قوم أَو أيا هَؤُلَاءِ الْغَرِيب خدد شقق والتخديد التشقيق وَأَصله الشق فى الأَرْض والحفرة قَالَ الله تَعَالَى {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود} وَهُوَ الْحفر الذى وضع فِيهِ النَّار وَقَوله قد قطع وجانس بَين الْأَلْفَاظ الْمَعْنى أَنه دَعَا على ورد الخدود أَن يشققه الله ويزيل حسنه وَأَن يقطع القدود الحسان وَقَالَ أَبُو الْفَتْح هُوَ دُعَاء على التَّعَجُّب وَالِاسْتِحْسَان كَقَوْل جميل
(رَمى اللهُ فى عَيْنَىْ بُثَيْنَةَ بالْقَذَى ... وفِى الغُرّ مِنْ أنْيابِها بالقَوَادحِ)
قَالَ الواحدى وَهَذَا الْمَذْهَب بعيد من قَول أَبى الطّيب لِأَنَّهُ أخرجه فى معرض المجازاة لما ذكر فِيمَا بعد يُرِيد جازاهن الله جَزَاء بِمَا صنعن بى بالتخديد وَالْقد قَالَ وَهنا مَذْهَب ثَالِث وَهُوَ أَنه إِنَّمَا دَعَا على تِلْكَ المحاسن لِأَنَّهَا تيمته فَإِذا زَالَت زَالَ وجده بهَا وحصلت لَهُ السلوة كَمَا قَالَ أَبُو حَفْص الشهرزورى
(دعَوْتُ على ثغْره بالقَلَحْ ... وفى شَعر طُرَّته بالجَلَحْ)

(لَعَلَّ غرامى بِهِ أَن يَقِلَّ ... فقدْ بَرَّحتْ بِىَ تلكَ المُلَخْ)
والذى ذكره أَبُو الْفَتْح أحسن لِأَن الْمُحب لَا يَدْعُو على محبوبه أبدا والذى أنْشدهُ الواحدى للشهرزورى لَيْسَ هُوَ مِمَّا صدر عَن محب لِأَن الْمُحب الصَّادِق يقف عِنْد الْمعَانى لَا عِنْد المحاسن
2 - الْإِعْرَاب دَمًا مفعول ثَان وَقيل بل هُوَ تَمْيِيز مقدم وَهَذَا جَائِز عندنَا وَعند المازنى والمبرد من الْبَصرِيين وَمنعه باقيهم كَقَوْلِك تصبب عرقا زيد يجوز تَقْدِيمه إِذا كَانَ الْعَامِل فِيهِ فعلا متصرفا فحجتنا نقل وَقِيَاس أما النَّقْل فَقَوْل الشَّاعِر
(أتهجرُ سَلْمى بالفراق حبيبها ... وَمَا كَانَ نفسا بالفِراق تَطيبُ)
تَقْدِيره فَمَا كَانَ الشَّأْن والقصة تطيب سلمى نفسا فَدلَّ على جَوَازه وَأما الْقيَاس فَإِن هَذَا الْعَامِل فعل متصرف فَجَاز تَقْدِيم معموله عَلَيْهِ كَسَائِر الْأَفْعَال المتصرفة أَلا ترى أَن الْفِعْل إِذا كَانَ متصرفا نَحْو ضرب زيد عمرا يجوز تَقْدِيم معموله عَلَيْهِ فَتَقول عمرا ضرب زيد حجَّة الْبَصرِيين أَنه لَا يجوز تَقْدِيمه على الْعَامِل فِيهِ وَذَلِكَ أَنه فَاعل فى الْمَعْنى فَإِذا قلت تصبب زيد عرقا فالمنتصب هُوَ الْعرق وَكَذَلِكَ لَو قلت حسن زيد غُلَاما لم يكن لزيد حَظّ فى الْفِعْل من جِهَة الْمَعْنى بل الْفَاعِل فى الْمَعْنى هُوَ الْغُلَام فَلَمَّا كَانَ هُوَ الْفَاعِل فى الْمَعْنى لم يجز تَقْدِيمه الْمَعْنى يَقُول الحسان القدود هن أسلن مقلتى دَمًا وَهن عذبننى بِنَار الصدود وَهُوَ أَشد الْعَذَاب
3 - الْإِعْرَاب كمل اسْم وَهُوَ اسْم مركب عندنَا وَذهب البصريون إِلَى أَنَّهَا مُفْردَة للعدد وَقد تقدم الْكَلَام على اخْتِلَاف المذهبين فِيمَا تقدم من هَذَا الْكتاب الْغَرِيب الْفَتى هُوَ الشَّاب والفتاة الشَّابَّة وَقد فَتى بِالْكَسْرِ يُفْتى فَهُوَ فَتى والدنف بِالتَّحْرِيكِ الْمَرَض الملازم وَرجل دنف أَيْضا وَامْرَأَة دنف وَقوم دنف يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث وَالْوَاحد والمثنى وَالْجمع فَإِن قلت رجل دنف بِكَسْر النُّون أنثت وثنيت وجمعت وَقد دنف الْمَرِيض بِالْكَسْرِ ثقل وأدنف بِالْألف مثله وأدنفه الْمَرَض يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى فَهُوَ مدنف ومدنف الْمَعْنى يَقُول كم للهوى من فَتى شَاب مَرِيض شَدِيد الْمَرَض وَكم للفراق من قَتِيل شَهِيد والشهيد الْمَقْتُول ويناله الْأجر ويريدكم لَهُ من قَتِيل قد عف عَن الْخَنَا فموته شَهَادَة
4 - الْمَعْنى إِنَّه يتحسر ويتعجب من مرَارَة الْفِرَاق فَيَقُول مَا أَمر الْفِرَاق وَمَا أعلق نيرانه بالكبود وهى جمع كبد وَلَقَد صدق فَلَا يكون شئ أَمر من الْفِرَاق وَقد قيل فى قَول سُلَيْمَان صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ {لأعذبنه عذَابا شَدِيدا} أى لأفرقن بَينه وَبَين إلفه وَهُوَ أَشد الْعَذَاب
5 - الْغَرِيب يُقَال أغرى بالشئ إِذا أولع بِهِ والعميد المعمود الذى قد هده الْعِشْق الْمَعْنى يَقُول مَا أولع الصباية بهم يعْنى بالمحبين فهى قاتلة لَهُم
6 - الْغَرِيب لهج بالشئ يلهج بِهِ لهجا أى ولع بِهِ والخنا الْفُحْش وَكَلَام خن وَكلمَة خنية وَقد خنى عَلَيْهِ بِالْكَسْرِ وأخنى عَلَيْهِ فى مَنْطِقه إِذا أفحش قَالَ أَبُو ذُؤَيْب الهذلى
(فَلَا تُخْنُوا علىَّ وَلَا تُشِطوا ... بقولِ الْفَخر إِن الفخرَ حُوبُ)
واللمى سَمُرَة الشّفة والنهود جمع نهد وَهُوَ ثدى الْجَارِيَة الْمَعْنى يَقُول مَا أولع نفسى بحب ذَوَات هَذِه الصِّفَات

الصفحة 341