كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 1)

- 1 - الْإِعْرَاب قَوْله أحاد يريدأ أحاد فَحذف همزَة الِاسْتِفْهَام وَلَيْسَ هُوَ بالفصيح وَإِنَّمَا يَقع فى الشّعْر ضَرُورَة وَلَا يُقَال زيد أَبوك أم عَمْرو وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ
(لعَمْرُكَ مَا أدْرِى وإنْ كُنْتُ دارِيا ... شُعَيْثُ بنُ سَهْمٍ أمْ شُعَيْثُ بنُ مِنقَرِ)
وَأنْشد فى الْبَاب لعمر بن أَبى ربيعَة المخزومى
(فوَاللهِ مَا أدْرى وإنْ كُنْتُ دارِيا ... بسَبْعِ رمْينَ الجَمْرَ أمْ بثَمانِ)
وَقَول امْرِئ الْقَيْس
(تَروحُ مِنَ الحَىّ أمْ تَبْتَكِرْ ... )
وكقول الخنساء
(قَذىً بعينكَ أم بالعَين عُوَّارُ ... )
وَقَوله بالتناد يُرِيد التناد فَحذف وَالْبَاء مُتَعَلقَة بِمَعْنى المنوطة الْغَرِيب المنوطة الْمُتَعَلّقَة والتناد يَوْم الْقِيَامَة لِأَن النداء يكثر فِيهِ وَقَوله أحاد اخْتلف فى هَذَا اخْتِلَافا كثيرا وَالْمَشْهُور أَن هَذَا الْبناء لَا يكون إِلَّا إِلَى الْأَرْبَعَة نَحْو أحاد وثناء وَثَلَاث وَربَاع وَجَاء فى الشاذ إِلَى عشار وأنشدوا للكميت
(فَلَمْ يَسْتَرِيثُوكَ حَتَّى رَمَيْتَ فَوْقَ ... الرّجالِ خِصَالاً عُشارَا 1)
وَقَالَ قوم لَا يسْتَعْمل أحاد فى مَوضِع الْوَاحِد لَا يُقَال هُوَ أحاد وَإِنَّمَا يُقَال جَاءُوا أحاد أحاد وسداس نَادِر غَرِيب وَلَا يسْتَعْمل فى مَوضِع سِتَّة الْمَعْنى قَالَ الواحدى فى كِتَابه قد أَكْثرُوا فى معنى هَذَا الْبَيْت وَلم يَأْتُوا بِبَيَان مُفِيد وَلَو حكيت مَا قَالُوا فِيهِ لطال الْكَلَام وَلَكِن أذكر مَا وَافق اللَّفْظ من الْمَعْنى وَهُوَ أَنه أَرَادَ وَاحِدَة أم سِتّ فى وَاحِدَة وست فى وَاحِدَة إِذا جَعلتهَا فِيهَا كالشئ فى الظّرْف وَلم يرد الضَّرْب الحسابى وَخص هَذَا الْعدَد لِأَنَّهُ أَرَادَ ليالى الْأُسْبُوع وَجعلهَا اسْما لليالى الدَّهْر كلهَا لِأَن كل أُسْبُوع بعده أُسْبُوع آخر إِلَى الدَّهْر فَكَأَنَّهُ يَقُول هَذِه اللَّيْلَة وَاحِدَة أم ليالى الدَّهْر كلهَا جمعت فى هَذِه اللَّيْلَة الْوَاحِدَة حَتَّى طَالَتْ فامتدت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَقَوله لييلتنا بالتحقير فَهُوَ تحقير تَعْظِيم وتكبير كَقَوْل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لعَائِشَة يَا خميرا وكقول لبيد
(وكلُّ أُناسٍ سوْفَ تَدْخُلُ بَينَهُمْ ... دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنها الأنامِلُ)
يُرِيد الْمَوْت وَهُوَ أعظم الدواهى وكقول الآخر
(فُوَيْقَ جُبَيْلٍ شامخِ الرَّأْس لم يكُنْ ... لِتَبلُغَهُ حَتَّى تَكِلَّ وتَعْمَلا)
وَقَالَ أَبُو الْفَتْح يُرِيد يُنَادى أَصْحَابه بِمَا يهتم بِهِ أَلا ترى إِلَى قَوْله
(أفكِّر فى مُعاقرة المَنايا ... )
وعَلى هَذَا استطال اللَّيْلَة حَتَّى عزم فى صباحها على الْحَرْب شوقا إِلَى مَا عزم عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حقر لليلة لعظم طولهَا وَمِنْه قَول الْحباب بن الْمُنْذر الأنصارى يَوْم السَّقِيفَة
(أَنا جُذَيْلُها المُحَكَّك وعُذَيْقُها المرَجَّب ... )

2 - الْإِعْرَاب دجاها الضَّمِير رَاجع إِلَى قَوْله
(لييلتنا ... )
والظرف الأول مُتَعَلق بالاستقرار أَو بِمَعْنى التَّشْبِيه أى تشبهها فى دجاها خرائد والظرف الثانى بسافرات وَمن روى سافرات بِالرَّفْع كَانَ نعتا لخرائد وَمن رَوَاهُ بِالنّصب كَانَ حَالا الْغَرِيب بَنَات نعش سبع كواكب مَعْرُوفَة والخرائد جمع خريدة وهى الْجَارِيَة الحيية وَقَوله سافرات هن اللاتى كشفن عَن وجوههن ومنهن إسفار الصُّبْح وَهُوَ أَن ينْكَشف عَن الظلمَة والحداد ثِيَاب سود تلبس عِنْد الْحزن وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على أحد فَوق ثَلَاث لَيَال إِلَّا الْمَرْأَة تحد على زَوجهَا الْمَعْنى أَنه شبه الجوارى الكاشفات عَن وجوههن بِهَذِهِ الْكَوَاكِب فى ظلمَة اللَّيْل وَهَذَا من بديع التَّشْبِيه قَالَ أَبُو الْفَتْح لما شبههن ببياض النُّجُوم فى سَواد اللَّيْل كَانَ حَقه أَن يذكر جوارى بيضًا والخرد لَيْسَ من الْبيَاض فى شئ إِلَّا أَنه فى الْأَمر الْغَالِب إِنَّمَا يكون للبيض دون السود أَلا ترى أَن السود فِيهِنَّ التبذل وَأَرَادَ شَيْئا فَذكرهَا مَا يَصْحَبهُ مستدلا عَلَيْهِ فَشبه بَنَات نعش فى ظلمَة اللَّيْل بِوُجُودِهِ جوَار سافرات فى ثِيَاب سود هَذَا قَوْله قَالَ الواحدى وَلَعَلَّه أَرَادَ أَن الْحيَاء يكون فى الْبيض دون السود وَالْبَيْت مَنْقُول من قَول عبد الله بن المعتز
(وأرَى الثرَيَّا فِى السَّماءِ كأنَّهَا ... خُرُدٌ تَبَدَّتْ فى ثِيابِ حِدادِ)
وَمن قَوْله
(كأنَّ نجُومَ اللَّيلِ واللَّيلُ مُظْلِمٌ ... وُجُوُ عَذَارَى فى مَلاحِفَ سُودِ)

الصفحة 353