كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 1)

- روى أَبُو الْفَتْح بمستفاد الْمَعْنى يُرِيد أَن أَيَّام الشَّبَاب إِذا مضين لَا تسترد وَمَا يمضى من الْأَيَّام لَا يرجع وَلَا يستعاد وَهَذَا كَمَا قَالَ
(ولكنّ مَا يمضِى من العَيش فَائت ... )
يُرِيد التحريض على طلب المعالى أى اطلب الأهم فالأهم فَإِن أيامك لتنهب عمرك وَهَذَا من أصدق الشّعْر وَأحسن الْكَلَام
8 - الْمَعْنى يُرِيد أَنه إِذا أبْصر سَواد شعر أَبيض فَكَأَنَّهُ وجده فى سَواد عَيْنَيْهِ وَإِذا صَار سَواد عَيْنَيْهِ أَبيض عمى فَكَأَنَّهُ يَقُول الشيب كالعمى وَقَالَ أَبُو الْفَتْح كَأَن مَا فى وَجهه من الشيب نابت فى عَيْنَيْهِ وَقَالَ الْخَطِيب إِذا لحظت بَيَاض الشيب فَكَأَنَّمَا لحظت بِهِ بَيَاضًا فى الْعين وَلَا يُمكنهُ أَن يلحظ سَواد عَيْنَيْهِ إِلَّا فى الْمرْآة وَلَوْلَا أَنه بَين سَواد الْعين لحمل على سَواد الْقلب لاحْتِمَاله ذَلِك وَهَذَا من قَول أَبى دلف
(وكلَّ يَوْمَ أرى بَيْضاءَ قدْ طَلَعَتْ ... كأنَّما طَلَعَتْ فى ناظِر البَصَرِ)
وَقَالَ أَبُو تَمام
(لهُ مَنظَرٌ فى العَينِ أبْيَضُ ناصِعٌ ... ولكنَّهُ فى القَلبِ أسْودُ أسْفَعُ)

9 - الْمَعْنى يَقُول مَتى تجاوزت النِّهَايَة فى الزِّيَادَة فقد بَدَأَ انتقاصى يزْدَاد لِأَنَّهُ لَيْسَ بعد غَايَة الزِّيَادَة إِلَّا النَّقْص وَلما نزل قَوْله تَعَالَى {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} وَذَلِكَ يَوْم عَرَفَة فى حجَّة الْوَدَاع والمائدة كلهَا مَدَنِيَّة إِلَّا هَذِه الْآيَة فَإِنَّهَا نزلت بِعَرَفَة بَكَى أَبُو بكر الصّديق فَقيل مَا يبكيك فَقَالَ مَا بلغ شئ الْكَمَال إِلَّا نقص فَكَأَنَّهُ تفرس موت رَسُول الله
فَعَاشَ بعْدهَا رَسُول الله
اثْنَيْنِ وَتِسْعين يَوْمًا وَقَالَ الواحدى إِذا تناهى الشَّبَاب ببلوغ حَده فَزِيَادَة الْعُمر بعد ذَلِك وفور النُّقْصَان وَقَالَ الْحَكِيم الزِّيَادَة فى الْحَد نقص الْمَحْدُود وَهَذَا مثل قَول مَحْمُود الْوراق
(إِذا مَا ازْدَدْت مِنْ عُمْرٍ صُعوداً ... يُنَقِّصُه التزَيُّدُ والصُّعُودُ)
وَقَالَ الآخر
(إِذا اتَّسَقَ الهِلالُ وصارَ بَدْراً ... تَبَيَّنْتَ المَحاق مِنَ الهِلالِ)
وَقَالَ عبد الله بن طَاهِر
(إِذا مَا زَادَ عُمْرُكَ كانَ نَقْصاً ... ونُقْصَانُ الحَياةِ مَعَ التَّمامِ)

10 - الْإِعْرَاب أأرضى حققق الهمزتين وهى لُغَة فصيحة قَرَأَ بهَا الْكُوفِيُّونَ وَعبد الله ابْن عَامر حَيْثُ وقعتا من كَلِمَتَيْنِ وَخَالفهُم هِشَام إِذا كَانَت كهذه من كلمة وَاحِدَة الأيادى جمع يَد تجمع هَذَا الْجمع إِذا كَانَت بِمَعْنى النِّعْمَة والعطية وَيَد الْإِنْسَان الْجَارِحَة تجمع على أيد الْمَعْنى يَقُول كَيفَ أرْضى بحياتى وَلَا أجازى الْأَمِير يُرِيد الممدوح على مَاله عندى من سالف النعم الَّتِى أسداها إِلَى
11 - الْإِعْرَاب جَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى تَقْدِيره وَإِن ترك المطايا بالية فَهُوَ مَحْمُود وكاف التَّشْبِيه فى مَوضِع نصب لِأَنَّهُ الْمَفْعُول الثانى لترك الْغَرِيب المزاد جمع مزادة وهى الراوية تكون من جلدين بَينهمَا جلد ثَالِث ليوسعها وَأَرَادَ كالمزاد البالى فَحذف الصّفة اسْتغْنَاء بالموصوف وَالْعرب تشبه النضو المهزول بالمزادة البالية الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح يُرِيد قد هزلها وأنضاها السّير حَتَّى صَارَت كالمزاد البالى فَحذف الصّفة قَالَ ابْن فورجة لَا دَلِيل على حذف الصّفة وَإِنَّمَا أَرَادَ كالمزاد الَّتِى نحملها فى مسيرنا إِذْ قد خلت من المَاء والزاد لطول السّفر وَالْألف وَاللَّام فى المزاد للْعهد وَالْمعْنَى أَن الْمسير إِلَيْهِ أذهب لُحُوم المطايا وأفنى مَا تزودنا من مَاء وَزَاد فَلم يبْق فى المطايا لحم وَلَا فى المزاد زَاد
12 - الْغَرِيب العنس النَّاقة الصلبة وَيُقَال هى الَّتِى اعنونس ذنبها أى وفر وَقَالَ العجاج
(كمْ قَدْ حَسَرْنا مِنْ عَلاةٍ عَنْسِ ... كَبْدَاءَ كالقَوْسِ وأُخْرَى جَلْسِ)
وعنس أَيْضا قَبيلَة من الْيمن مِنْهُم حُذَيْفَة بن الْيَمَان العنسى وَاسم الْيَمَان حسيل الْمَعْنى يَقُول لم تصل ناقتى إِلَى هَذَا الممدوح إِلَّا وَقد أضناها السّير حَتَّى لم يتْرك فِيهَا من الدَّم مَا يقوت القراد وَهَذَا مُبَالغَة فى الهزال

الصفحة 356