كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 1)

- الْإِعْرَاب وَطعن عطف مَا قبله من الْمَجْرُور الْمَعْنى يَقُول كَأَن طعن النَّاس عِنْد ذَلِك لَا طعن لِشِدَّتِهِ وقصور طعن النَّاس عَنهُ فَكل طعن بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ كلاطعن وَضرب حَار كَأَن النَّار بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ برد وكل هَذَا مُبَالغَة وَالْهَاء فى عِنْده عَائِدَة على الطعْن الأول وَلَا طعن عِنْده الْجُمْلَة فى مَوضِع رفع لِأَنَّهَا خبر كَأَن وَبرد يُرِيد ذَات برد فَحذف الْمُضَاف للْعلم بِهِ
5 - الْغَرِيب السابح الْفرس السَّرِيع الجرى كَأَنَّهُ يسبح فى جريه والشهد الْعَسَل الْمَعْنى يُرِيد أَنه مُطَاع فى قومه مَتى شَاءَ أحاطت بِهِ رجال يستعذبون الْمَوْت كَمَا يستحلى الْعَسَل يُرِيد إِذا دعوتهم أجابونى محيطين بى على كل فرس سابح وَأَرَادَ فى أفواهها فأوقع الْوَاحِد موقع الْجمع وَمثله
(وأمَّا جِلدهُ فَصَلِيبُ ... )
وَهَذَا مِمَّا اعتاده من الحماقة وَلَو قَالَ هَذَا على بن حمدَان سيف الدولة لأخذ عَلَيْهِ
6 - الْغَرِيب الفدم الغبى من الرِّجَال والوغد اللَّئِيم الضَّعِيف وَيُقَال الفدم الغبى من الرِّجَال وَهُوَ الذى لَا يقدر على الْكَلَام الْمَعْنى صغر الْأَهْل تحقيرا لَهُم فَيَقُول إِذا كَانَ لأعْلم فدما فَكيف الْجَاهِل وَكَانَ حَقه أَن يَقُول فأنطقهم فدم لِأَن الفدامة لَا تنافى الْعلم لكنه أَرَادَ أَن الأعلم مِنْهُم لَا يقدر على النُّطْق وَهُوَ عيب شَدِيد فى الرِّجَال فَكَأَنَّهُ قَالَ أعلمهم ناقصوقال الْخَطِيب ارادأن يَقُول اعلمهم جَاهِل وأحزمهم أخرق
7 - الْمَعْنى يَقُول أكْرمهم فى خسة الْكَلْب وأبصرهم من البصيرة أعمى الْقلب وَأَكْثَرهم سهادا ينَام نوم الفهد وَبِه يضْرب الْمثل فى النّوم يُقَال أنوم من فَهد - وَمِنْه حَدِيث أم زرع " إِن دخل فَهد وَإِن خرج أَسد وَلَا يسْأَل عَمَّا عهد " تَقول إِن دخل الْبَيْت نَام فَإِن خرج أَسد أى أَتَى بالفريسة وَلَا يسْأَل عَمَّا عهد كرما مِنْهُ وَيضْرب الْمثل فى الْجُبْن بالقرد يُقَال إِن القرد لَا ينَام إِلَّا فى كَفه حجر لشدَّة الْفَزع وَلَا ينَام اللَّيْل حَتَّى يجْتَمع إِلَيْهِ الْكثير
8 - الْإِعْرَاب ان يرى فى مَوضِع رفع لِأَنَّهُ ابْتِدَاء وَقَوله بُد اسْم مَا المشبهة بليس وَالْجَار وَالْمَجْرُور فى مَوضِع الْخَبَر وَتَقْدِيره مَا من إِظْهَار صداقته فَحذف الْمُضَاف الْمَعْنى يَقُول من نكد الدُّنْيَا وَقلة خَيرهَا أَن الْحر يحْتَاج فِيهَا إِلَى إِظْهَار صداقة عدوه ليأمن شَره وَهُوَ يعلم انه عدوه وَهُوَ لَا يجد بدا من أَن يرِيه الصداقة من نَفسه دفعا لغائلته وَأَرَادَ مَا من مداجاته وَلكنه سمى المداجاة صداقة لما كَانَت فى صُورَة الصداقة وَلما كَانَ النَّاس يحسبونها صداقة وَقَالَ أَبُو الْفَتْح لَو قَالَ مَا من مداجاته لَكَانَ أشبه والذى قَالَه أحسن فى اللَّفْظ وَأقوى فى الْمَعْنى وَحسنه أَنه ذكر الْعَدو وضده وفى قُوَّة الْمَعْنى أَن المداجى المسائر للعداوة وَقد يساتر الْعَدَاوَة من لَا يظْهر الصداقة فَإِذا أظهر الصداقة لم يكن لَهُ من إظهارها بُد فَهُوَ يعانى من ذَلِك أمرا عَظِيما ونكدا فى الْحَيَاة فَهُوَ أَسْوَأ حَالا من المداجى وَقَالَ الْخَطِيب إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا السُّلْطَان الذى لابد من صداقته بإخلاص القَوْل وَالنِّيَّة فبأيها أخل دخل مِنْهُ الضَّرَر
9 - الْغَرِيب الغوانى جمع غانية وهى الْمَرْأَة الَّتِى غنيت بحسنها الْمَعْنى قَالَ ابْن جنى أحب الْحَيَاة فى الدُّنْيَا وَلما أرى من سوء أَفعَال أَهلهَا زهدت فِيهَا وَقَالَ ابْن فورجة وَلَيْسَ فى الْبَيْت مَا يدل على أَنه يحب الْحَيَاة فى الدُّنْيَا بل فِيهِ تَصْرِيح أَنه قد ملها فدعواه أَنه يُحِبهَا محَال وَإِنَّمَا ملالته لَهَا لما يُشَاهد من قبح صنيعها من إِبْدَال النعمى بالبؤسى واسترجاع مَا تهب والإساءة إِلَى أهل الْفضل وقعودها بهم عَمَّا يستحقونه وَقد أَجَاد أَبُو الْعَلَاء المعرى فى قَوْله
(وقدْ عَرّضْتُ عنِ الدُّنيا فهَل زمنى ... مُعْطِى حياتى لغير بعد مَا عَرَضا)
الْمَعْنى يَقُول أَبُو الطّيب قد مللتها وَإِن لم أستوف مِنْهَا وبى إِعْرَاض عَن نسائها وَإِن وصلننى

الصفحة 374