كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 1)

- الْمَعْنى يُرِيد أَنه يحتقر الحساد عَن أَن يتَكَلَّم فيهم وَإِذا لم يذكرهم كَانُوا كَأَنَّهُمْ معدومون لم يخلقوا بعد لِأَن من لم يذكرهُ سقط عَن ذكر النَّاس وذل قدره وَهَذَا كَقَوْل الْأَعْوَر
(إِذا صَبَّحَتْنِى من أُناسٍ ثعالبٌ ... لأدفَعَ مَا قالُوا منحتُهُمُ حَقْرا)

28 - الْغَرِيب الحقد الضغن وَالْجمع أحقاد حقد عَلَيْهِ يحقد حقدا وحقد عَلَيْهِ بِالْكَسْرِ حقدا لُغَة فِيهِ وأحقده غَيره وَرجل حقود الْمَعْنى يَقُول أعداؤه يأمنون جَانِبه لَا من ضعف وَلَا من قلَّة وَلَكِن حقده على قدر الذَّنب فَإِن كَانَ حَقِيرًا لم يحقد عَلَيْهِ وَإِذا لم يحقد أَمن الذَّنب وَالْمعْنَى أَنه يحقر أعداءه وَلَا يعبأ بهم وَقَالَ أَبُو الْفَتْح لَيْسَ يُؤَاخذ بِقدر جرمه وَإِنَّمَا يُؤَاخذ على قدر الذَّنب وَلَا قدر عِنْده لمن أجرم فَهُوَ لَا يعبأ بِأحد من أعدائه لِأَنَّهُ أكبر قدرا من أَن يُعَاقب مثلهم
29 - الْمَعْنى يَقُول إِن كَانَ جدك مَاتَ وفنى عمره فَإِن فضائله ومحاسنه انْتَقَلت إِلَيْك فَلم يفقد إِلَّا شخصه كَمَاء الْورْد يبْقى بعد الْورْد فَيكون أفضل مِنْهُ وَهَذَا فِيهِ تَفْضِيل الْفَرْع على الأَصْل وَقد كَرَّرَه فى مَوَاضِع فَقَالَ
(فَإِن تَكُنْ تغلبُ الغَلْباءُ عُنْصُرَها ... فإنَّ فى الخمرِ مَعنى ليسَ فى العِنَبِ)
وَمثله
(فإنْ تَفُق الأنَامَ وأنْتَ مِنْهُمْ ... فإنَّ المِسْكَ بَعْضُ دَمِ الغَزَالِ)
أَخذه السرى الموصلى فَقَالَ
(يُحْيِى بِحُسْنِ فِعالِهِ ... أفْعالَ وَالِدِهِ الحُلاحِلْ)

(كالْوَرْدِ زَالَ وَماؤُهُ ... عَبِقُ الرَّوَائِح غَيْرُ زَائِلْ)

30 - الْإِعْرَاب عطف وَبَنوهُ على الضَّمِير الْمَرْفُوع وَهُوَ مَذْهَب أهل الْكُوفَة وَمنعه أهل الْبَصَر وَحجَّتنَا مَجِيئه فى الْكتاب الْعَزِيز وفى أشعار الْعَرَب ففى الْكتاب الْعَزِيز
(ذُو مرّة فَاسْتَوَى وَهُوَ بالأفقد الْأَعْلَى)
أى فَاسْتَوَى جِبْرِيل وَمُحَمّد
فعطف وَهُوَ على الضَّمِير المستكن فى اسْتَوَى فَدلَّ على جَوَازه وفى الشّعْر قَول عمر بن أَبى ربيعَة المخزومى
(قلْتُ إذْ أَقبلت وزُهرٌ تهادَى ... كِنِعاج الفلا تعَسَّفْن رَمْلاً)
فقطف على الضَّمِير الْمَرْفُوع فى أَقبلت من غير توكيد وَقَالَ الآخر
(وَرَجا الأُخَيطِلُ من سفاهة رأيِهِ ... مَا لم يكن وأبٌ لهُ ليَنَالا)
فعطف على الضَّمِير المستكن فى يكن من غير توكيد وَحجَّة الْبَصرِيين أَنه قد جَاءَ فى الْكتاب الْعَزِيز بالتوكيد نَحْو {اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} و {اذْهَبْ أَنْت وَرَبك} و {يراكم هُوَ وقبيله} وَقَالُوا لَا يخلوا إِمَّا أَن يكون مُقَدرا فى الْفِعْل أَو ملفوظا بِهِ فَإِن يَك مُقَدرا نَحْو قَامَ وَزيد فَكَأَنَّهُ قد عطف اسماعلى فعل وَإِن كَانَ ملفوظا بِهِ نَحْو قُمْت وَزيد فالتاء منزلَة منزل الْجُزْء من الْفِعْل فَصَارَ كعطف الِاسْم على الْفِعْل الْمَعْنى يَقُول مضى سيار وَبَنوهُ وانفردت أَنْت بفضائلهم وَألف كواحد فقد اجْتمع فِيك مَا كَانَ فى ألف وأنث الضَّمِير وَالْألف مُذَكّر لِأَنَّهُ أَرَادَ الْجَمَاعَة وَهَذَا // معنى حسن // وَمثله
(وَما النَّاسُ إِلَّا وَاحِدٌ كقَبِيلَةٍ ... يُعَدُّ وألْفُ لَا يُعَدُّ بواحِدِ)
وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن دُرَيْد الأزدى والنَّاسُ ألْفٌ مِنْهُمْ كوَاحدٍ ... ووَاحِدٌ كالألْفِ إنْ أمرٌ عَنَّا)
والبحترى
(وَلمْ أرَ مِثْلَ النَّاسِ لَمَّا تَفاوَتُوا بخَيرٍ إِلَى أنْ عُدَّ أَلْفٌ بوَاحِدِ)

الصفحة 380