كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 2)
- 1 - الْإِعْرَاب حشاشة نفس ابْتِدَاء الظاعنين يرْوى على الْجمع يُرِيد النَّفس والأحباب الْمَعْنى يَقُول بَقِيَّة نفس ودعتنى وفارقتنى يَوْم فارفتنى الْأَحِبَّة فَذَهَبت الْبَقِيَّة والحبيب فَبَقيت حائرا لَا أدرى أى المرتحلين أودع النَّفس أم الْأَحِبَّة وَكِلَاهُمَا مرتحل وَهُوَ من قَول بشار
(حَدَا بَعْضُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَبَعْضُهُمْ ... شِمالاً وَقَلْبِى بَيْنَهُمْ مَتَوَزّعُ)
2 - الْغَرِيب الآماق جمع مؤق وَهُوَ طرف الْعين الذى يلى الْأنف والسم يُرِيد بِهِ الِاسْم وَفِيه لُغَات بالحركات الثَّلَاث فى السِّين وَتَخْفِيف الْمِيم الْمَعْنى لما أشاروا إِلَيْنَا بِالسَّلَامِ جدنا بأنفس تسيل من الجفون تسمى دموعا وهى أَرْوَاحنَا سَالَتْ من عيوننا فى صُورَة الدمع وَمثل هَذَا
(خَلِيلَىَّ لَا دَمْعاُ بَكَيْتُ وَإنَّمَا ... هِىَ الرُّوحُ مِنْ عَيْنِى تَسِيلُ عَلى خدّى)
وَمثله لبشار
(ولَيسَ الَّذِي يَجْرِى مِنَ العَيْنِ ماؤُها ... وَلَكِنَّها رُوحِى تَذُوبُ فَتَقْطُرُ)
وَقَالَ الديك
(ليسَ ذَا الدَّمْعُ دَمْعُ عَيْنِى وَلَكِنْ ... هِىَ نَفْسِى تُذِيبُها أنْفاسِى)
وَلابْن دُرَيْد
(لَا تَحْسَبُوا دَمْعِى تَحَدَّرَ إنَّها ... رُوحِى جَرَتْ فِى دَمْعِىَ المُتَحَدّرِ)
3 - الْإِعْرَاب ترتع فِيهِ ضمير الْمخبر عَنهُ وأفرد الْخَبَر لِأَن الْعَينَيْنِ وهما عضوان مشتركان فى فعل وَاحِد مَعَ انفاقهما فى التَّسْمِيَة يجرى عَلَيْهِمَا مَا يجرى على أَحدهمَا أَلا ترى أَن كل وَاحِدَة من الْعَينَيْنِ لَا تكَاد تنفر بِالرُّؤْيَةِ دون الْأُخْرَى فاشتراكهما فى النّظر كاشتراك الْأُذُنَيْنِ فى السّمع والقدمين فى المشى وَقد اسْتعْمل هَذَا الْبَاب على أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا على الْحَقِيقَة فى الْخَبَر والمخبر عَنهُ فَتَقول عيناى رأتاه وأذناى سمعتاه والثانى أَن تخبر عَن اثْنَيْنِ وَتفرد الْخَبَر كبيت أَبى الطّيب فَتَقول عيناى رَأَتْهُ وَالثَّالِث أَن تخبر عَن اثْنَيْنِ بِوَاحِد وَتفرد الْخَبَر فَتَقول عينى راته وأذنى سمعته وَالرَّابِع أَن تعبر عَن اثْنَيْنِ بِوَاحِد وتثنى الْخَبَر حملا على الْمَعْنى فَتَقول عينى رأتاه وأذنى سمعتاه كَقَوْل الشَّاعِر
(أذا ذَكَرَتْ عَيْنِى الزَّمَان الَّذِى مَضَى ... بِصَحْرَاءِ فَلْجٍ ظَلَّتا تَكِفانِ)
الْغَرِيب ترتع تلهو وتلعب وتنعم وإبل رتاع جمع راتع وأرتع الْغَيْث أنبت مَا ترتع فِيهِ الْإِبِل وَقوم مرتعون والموضع مرتع وَيُقَال خرجنَا نرتع وَنَلْعَب أى ننعم ونلهو وَقَرَأَ نَافِع والكوفيون
(يَرْتَعْ ويَلْعَبْ ... )
بِالْيَاءِ فيهمَا وَكسر الحرميان الْعين من يرتع جعلاه من الرعى الْمَعْنى يَقُول الحشا وَهُوَ مَا فى دَاخل الْجوف وَالْمرَاد الْفُؤَاد فى جمر شَدِيد التوقد لأجل توديعهم وفراقهم وعيناى ترتعان فى رياض الْحسن من وَجه الحبيب وَهُوَ من قَول عبد الله بن الدمينة
(غَدَتْ مُقْلَتِى فِى جَنَّةٍ مِنْ جَمالِهَا ... وَقَلْبِى غَدَا مِنْ هَجْرِها فى جَهَنَّم)
وَأَخذه الطائى فَقَالَ
(أفِى الحَقّ أنْ يُضْحىِ بقَلْبِى مَأْتَمٌ ... مِن الشَّوْق والبَلْوَى وعيْنِى فى عُرْسِ)
وَأَخذه الرضى فَقَالَ
(فالقَلْبُ فى مأْتَمٍ والعَيْنُ فى عُرُسِ ... )
وَنَقله أَبُو الْحسن التهامى عَن الْغَزل فَقَالَ
(إنّى لأَرْحَمُ حاسِدِىَّ لِعِلْمِ مَا ... ضَمَّتْ ضَمائِرُهُمْ مِنَ الأوْغارِ 1)
(نظَرُوا صَنِيعَ اللهِ بى فَعُيُونُهُمْ ... فى جَنَّةٍ وَقُلُوبُهُمْ فى نارِ)
ولخالد الْكَاتِب
(قالُوا نَرَاكَ سَقِيماً ... فَقُلْتُ مِنْ مُقْلَتَيْهِ)
(فِى النَّارِ قَلْبِى وَعَيْنِى ... فِى الرَّوْضِ مِنْ وَجْنَتَيْهِ)
وَلآخر
(وكانَ طَرْفِى مِنْهُ فِى جَنَّةٍ ... وكانَ فِى قَلْبِى مِنهُ نارُ)
الصفحة 235