كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 2)
- الْغَرِيب خبت النَّار سكن لهبها والبنان الْأَصَابِع والأسمر يُرِيد الْقَلَم وَجعله أصلع لملاسته كالرأس الأصلع الذى لَا نبت فِيهِ الْمَعْنى يَقُول كل نَار حَرْب من غير يَده وقلمه فهى مطفأة لَا تطول مدَّتهَا وَيرد أَن الْحَرْب إِذا أضرمها هُوَ فَإِنَّهَا لَا تنطفئ لقُوَّة عزمه وتسديد رَأْيه وَشدَّة نَفسه وعلو همته
19 - الْإِعْرَاب نحيف نعت الأسمر الْغَرِيب الشوى الْأَطْرَاف اليدان وَالرجلَانِ وَالرَّأْس والشوى جمع شواه وهى جلدَة الرَّأْس وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {نزاعة للشوى} وَقَرَأَ حَفْص {نزاعة للشوى} نصبا على الْحَال وَكَيف دَقِيق وَأم الرَّأْس أَصله وَقيل وَسطه الْمَعْنى يُرِيد أَن الْقَلَم دَقِيق خلقته وَهُوَ يعدو على رَأسه فَإِذا كل أى حفى من الْكِتَابَة قطع راسه بالقط فيقوى عدوه أى يحسن الْخط بِهِ بعد القط والقلم يعبر عَن ضمير الْكَاتِب وَقد قيل الْقَلَم أنف الضَّمِير إِذا رعف كشف أسراره وَأَبَان آثاره وَهَذَا مَنْقُول من قَول العقيلى
(فإنْ تَخَوَّفْتَ مِنْ حَفاهُ فَخُذْ ... سَيْفَكَ فاضْرِبْ قَفا مُقَلَّدِهِ)
(فإنَّهُ إنْ قَطَعْتَ أجْوَدَهُ ... عادَ نَشِيطا بِقَطْعِ أجْوَدِهِ)
20 - الْغَرِيب يمج يقذف الْمَعْنى يَقُول هُوَ يقذف الظلام يُرِيد المداد فى نَهَار يُرِيد القرطاس وَلسَانه طرفه المحدد وَيفهم عَمَّن قَالَ أَي يعبر عَن الْكَاتِب وَلم يسمع مِنْهُ لفظا أى إِن هَذَا الْقَلَم يعبر عَمَّا يُريدهُ الْكَاتِب من غير سَماع مِنْهُ وَهَذَا مَنْقُول من قَول حبيب
(أحَدُّ اللَّفْظِ يَنْطِقُ عَنْ سِوَاهُ ... فَيُفْهِمُ وَهْوَ لَيْسَ بِذى سَماعِ)
وَمثله
(إِذا عَلِقَتْ يُمْناهُ ظَهْرَ ابْنِ حامِلٍ ... وأرْسَلَ لَيْلاً فِى نَهارٍ مُكوَّرَا)
21 - الْإِعْرَاب ضريبة تَمْيِيز الْغَرِيب الحسام من الحسم وَهُوَ الْقطع والضريبة الْمَضْرُوب كالرمية اسْم للرمى الْمَعْنى يَقُول إِن الْقَلَم أفضل من السَّيْف لِأَن الْمَضْرُوب بِالسَّيْفِ قد ينجو إِن نبا عَن الْمَضْرُوب وَعصى الضَّارِب والمضروب بالقلم لَا ينجو إِذا كتب بالقلم قَتله فالقلم أطوع من السَّيْف لصَاحبه لِأَنَّهُ لَا يرجع عَن مُرَاد الْكَاتِب بِهِ وَهُوَ مَنْقُول من قَول ابْن الرومى
(لَعَمْرُكَ مَا السَّيْفُ سَيْفُ الكَمِىَّ ... بأنْفَذَ مِنْ قَلَمِ الْكاتِبِ)
قَالَ الواحدى كَانَ حَقه أَن يَقُول ذُبَاب الحسام لكنه أَقَامَ النكرَة مقَام الْمعرفَة من غير ضَرُورَة كَقَوْلِه أعق من ضَب وَهَذَا تكلّف لَا حَاجَة لنا إِلَيْهِ لِأَن الْمعرفَة والنكرة فِيهِ سيان
الصفحة 244