كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 2)

- الْإِعْرَاب مذ ومنذ عندنَا أَنَّهُمَا يرْتَفع الِاسْم بعدهمَا بإضمار فعل مُقَدّر مَحْذُوف وَقَالَ البصريون هما اسمان يرْتَفع مَا بعدهمَا لِأَنَّهُ خبر عَنْهُمَا ويكونان حرفين جارين فَيكون مَا بعدهمَا مجرورا بهما وَحجَّتنَا أَنَّهُمَا مركبان من من وَإِذ تغيرا عَن حَالهمَا فى إِفْرَاد كل وَاحِد مِنْهُمَا فحذفت الْهمزَة ووصلت من بِالذَّالِ وضمت الْمِيم للْفرق بَين حَالَة الْإِفْرَاد والتركيب وَالدَّلِيل على أَنَّهَا مركبة من من وَإِذ أَن من الْعَرَب من يَقُول فى مُنْذُ مُنْذُ بِكَسْر الْمِيم فَدلَّ على أَنَّهَا مركبة وَإِذا ثَبت أَنَّهَا مركبة كَانَ الرّفْع بعدهمَا بِتَقْدِير فعل لِأَن الْفِعْل يحسن بعد إِذْ وَالتَّقْدِير مَا رَأَيْته مذ مضى يَوْمَانِ ومذ مضى شَهْرَان وَإِذا كَانَ الِاسْم بهما مخفوضا كَانَ الْخَفْض بهما اعْتِبَارا بِمن وَلِهَذَا الْمَعْنى كَانَ الْخَفْض بمنذ أَجود لظُهُور نون من فِيهَا وَالرَّفْع بمذ أَجود لحذف النُّون مِنْهَا تَغْلِيبًا لإذ وَيدل على أَن أصل مذ ومنذ وَاحِد أَنَّك لَو سميت بهما قلت فى تَصْغِير مذ منيذ وفى تكسيره أمناذ فَترد النُّون المحذوفة لِأَن التكسير والتصغير يردان الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَحجَّة الْبَصرِيين أَنَّهُمَا مَعْنَاهُمَا الأمد إِذا قلت مَا رَأَيْته مذ يَوْمَانِ أمد انْقِطَاع الرُّؤْيَة يَوْمَانِ والأمد فى مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ فَكَذَلِك مَا قَامَ مقَامه وَإِذا ثَبت أَنَّهُمَا مرفوعان بِالِابْتِدَاءِ وَجب أَن يكون مَا بعدهمَا خَبرا الْغَرِيب اللبان بِكَسْر اللَّام جمع اللَّبن الذى شربه وَقيل لَا يُقَال لبان إِلَّا للْمَرْأَة وَجمع لبن الْحَيَوَان ألبان والمروة الْكَرم الْمَعْنى يَقُول قد ألف الْكَرم ناشئا من صغره فَكَأَنَّهُ سقيه فى اللَّبن الذى شربه رضيعا وَهُوَ مَنْقُول من قَول حبيب {لَبِسَ الشَّجاعَةَ إنَّها كانَتْ لَهُ ... قَدْما نَشُوغا فِى الصّبا وَلَدُوداَ}

14 - الْغَرِيب التمائم جمع تَمِيمَة وهى مَا يعلق على الصبى من الْعين والفزع وهى العوذ الْمَعْنى قَالَ الواحدى من روى نظمت على مَا لم يسم فَاعله بِضَم النُّون فَالْمَعْنى أَن هباته وَمَا يَفْعَله من الْإِعْطَاء جعلت لَهُ بِمَنْزِلَة التمائم الَّتِى تعلق على من خَافَ شَيْئا فَإِذا سَقَطت عَنهُ عَاد الْخَوْف يُرِيد أَنه ألف الْإِعْطَاء واعتاده حَتَّى لَو ترك ذَلِك كَانَ بِمَنْزِلَة من سَقَطت تمائمه وَمن روى بِفَتْح النُّون فَقَالَ ابْن فورجة إِنَّمَا يعْنى من حصلت لَهُ الْمَوَاهِب من الْحَمد والمدح وَالثنَاء والأشعار وأدعية الْفُقَرَاء فَهُوَ إِذا لم يسمع مَا تعود أنكر ذَلِك فَكَانَ كمن ألْقى تميمته فَيفزع وَهَذَا مَنْقُول من قَول الطائى
(تَكادُ عَطاياهُ يُجَنُّ جُنُونُها ... إذَا لَمْ يُعَوّذْها بِنَغْمَةِ طالِبِ)

الصفحة 262