كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 2)

- 36 - الْمَعْنى يُرِيد إِن كَانَ لَا يَصح سعى كل ماجد لمكرمة حَتَّى يفعل فعلك فالغيث أبخل من سعى لبعد مَا بَيْنكُمَا ووقوعه دُونك وَقَالَ أَبُو الْفَتْح إِن قيل لم جعل الْغَيْث أبخل الساعين إِذا قصر عَن جوده هلا كَانَ كأحدهم قيل إِنَّمَا جَازَ هَذَا على الْمُبَالغَة قَالَ ابْن وَكِيع
(سَقَيْتَ فَكانَ الغَيْثُ أدْنَى مَسافةً ... وأضْيَقَ باعا مِنْ نَداكَ وأقْصَرَا)

37 - الْإِعْرَاب مرأى ومسمعا نصبهما على الْبَدَل من الْغرَّة وَيجوز أَن يَكُونَا حَالين من الْغرَّة وَابْنه يُرِيد يَا ابْنه بِحَذْف حرف النداء وَهُوَ منادى مُضَاف الْمَعْنى يَقُول أَبوك الْعَبَّاس لمسامات خَلفك لنراك بأعيننا ونشاهد فضلك ومفاخرك وسيبقى ذكرك بالفضائل بَين النَّاس يتداولونه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
1 - الْمَعْنى يَقُول الْحزن لأجل هَذِه الْمُصِيبَة يقلقنى وَالصَّبْر يمنعنى عَن الْجزع والتهالك والدمع عَاص للتجمل مُطِيع للقلق
2 - الْغَرِيب المسهد الْكثير السهاد وَهُوَ الْمَمْنُوع النّوم الْمَعْنى يَقُول الصَّبْر والحزن يتنازعون دموع عينى فالحزن يجِئ بهَا وَالصَّبْر يردهَا
3 - الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح لَو كَانَ اللَّيْل وَالْكَوَاكِب مِمَّا يُؤثر فيهمَا حزن لأثر فيهمَا مَوته وَقَالَ الْخَطِيب إِنَّمَا أَرَادَ أَن اللَّيْل طَوِيل لفقده فالليل معى وَالْكَوَاكِب ظلع مَا تسير يُرِيد طول اللَّيْل للحزن قَالَ الواحدي النم بعده لَا يألف الْعين فَلَا تنام حزنا عَلَيْهِ وَاللَّيْل من طوله كَأَنَّهُ قد أعيا عَن المتنبي فَانْقَطع وَالْكَوَاكِب كأنهاظالعة لَا تقدر أَن تقطع الْفلك فتغرب كل هَذَا يصف بِهِ طول ليله بعده من الْحزن عَلَيْهِ 4 - الْغَرِيب يُقَال جبن عَنهُ وَجبن مِنْهُ شَاذ وَالْحمام الْمَوْت الْمَعْنى يَقُول إنى أَخَاف فِرَاق الْأَحِبَّة خوف الجبان وَأَشْجَع عِنْد الْمَوْت فَلَا أخافه يُرِيد أَن الْفِرَاق عِنْده أعظم من الْمَوْت كَمَا قَالَ حبيب
(جَلِيدٌ على عَتْبِ الخُطُوبِ إذَا عَرَتْ ... وَلَيْسَ عَلى عَتْبِ الأخِلاَّءِ بالجَلْدِ)

5 - الْمَعْنى يُرِيد أَنه صَعب على الْأَعْدَاء لَا يلين لَهُم وَلَا يعتبهم ويزداد عَلَيْهِم قسوة إِذا غضبوا وَلكنه عِنْد عتب الصّديق يجزج وَلَا يُطيق احْتِمَاله وَهَذَا كَقَوْل أَشْجَع السلمى
(يُعْطِى زِمامَ الطَّوْعِ أحْبابَهُ ... وَيَلْتَوِى بالمَلِكِ الْقادِرِ)
وَمثله للطائى
(جَلِيد على عَتْبِ الخُطُوبِ إذَا عَرَتْ ... وَلَيْسَ على عَتْبِ الأَخْلاَءِبالجَلْدِ)

6 - الْمَعْنى يَقُول إِن الْحَيَاة لَا تصفو لمن يلحظ الدُّنْيَا بِعَين الْمعرفَة ويتأملها تَأمل الدِّرَايَة وَإِنَّمَا تصفو لجَاهِل لَا يعرف عواقبها فيتوقعها أَو لغافل لَا يمثل صوارفها وتصاريفها ويتذكرها فهى تصفو للغافل عَمَّا مضى من حَيَاته وَمَا يتَوَقَّع فى العواقب من انْقِضَائِهَا أَو حَادث لَا يُطيق حمله
7 - الْمَعْنى يَقُول إِنَّمَا تصفو لمن يغالط فِيهَا عقله وتحسن عِنْد من يكابر فِيهَا نَفسه ويسومها الْمحَال فتركن إِلَيْهِ أَو يمنيها فتعتمد بآمالها عَلَيْهِ وَمعنى الْبَيْت أَن الدُّنْيَا على الْحَقِيقَة دَار غرور وأخطار وَالْإِنْسَان فِيهَا على خطر عَظِيم والحياة فانية فِيهَا وَإِن طَالَتْ فَمن غلط فى هَذَا وَمنى نَفسه السَّلامَة والبقاء صفا عيشه حِين ألْقى عَن نَفسه الْفِكر فى العواقب وكلف نَفسه طلب الْمحَال من الْبَقَاء فى السَّلامَة مَعَ نيل المُرَاد وطمعت فى ذَلِك نَفسه وَهُوَ من قَول أَبى الْعَتَاهِيَة
(إنَّما يَغْتَرُّ بالدُّنْيا غَفُولٌ أوْ جَهولُ)
ثمَّ قَالَ دَالا على أَن الْبَقَاء محَال
(أَيْن الذى ... الخ ... )

الصفحة 268