كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 2)
- الْغَرِيب الهرمان بِنَا آن عظيمان بِأَرْض مصر ارْتِفَاع كل وَاحِد مِنْهُمَا أَربع مئة ذِرَاع وهما ثابتان وَلَا يعرف البانى لَهما وَقَالَ الواحدى 1 أَحدهمَا قبر شَدَّاد بن عَاد وَالْآخر قبر إرم ذَات الْعِمَاد الْإِعْرَاب مَا قومه وَمَا بعده اسْتِفْهَام مَعْنَاهُ التَّعَجُّب وَمثله {الحاقة مَا الحاقة} الْمَعْنى يَقُول إنَّهُمَا بقيا بعد من بناهما واندرس ذكره وَذكر قومه فَمَا يعْرفُونَ وَلَا يعرف بأى ميتَة هلك وَلَا فى أى وَقت لطول معمر الدَّهْر عَلَيْهِ وَهَذَا كُله يُرِيد بِهِ التَّنْبِيه على أَن الدُّنْيَا مفنية لأَهْلهَا مُنكرَة على من اغْترَّ بهَا وَأَن الفناء وَاقع وَلَا سَبِيل إِلَى الْبَقَاء وَقَوله {أَيْن الذى الهرمان من بُنْيَانه} اسْتدلَّ ببنائهما على تمكنه وأقامهما شَاهِدين على قوته وَقدرته أى أَيْن هُوَ وقوته وَأَيْنَ قومه وكثرتهم وَأَيْنَ عَددهمْ وعددهم أما عفت الدُّنْيَا آثَار ملكه وأفنته أما فرقت شَمله وشتتته مَا فى بطن الأَرْض غيبته وَفِيه نظر إِلَى قَول عدى بن زيد
(أيْنَ كِسْرَى كسْرَى المُلُوكِ أنُو ... شُرْوَان أمْ أيْنَ قَبْلَهُ سابُورُ)
9 - الْمَعْنى يُرِيد أَن الْآثَار وهى الْبُنيان تبقى بعد أَرْبَابهَا لتدل على تمكنهم وقوتهم وسطوتهم ثمَّ ينالها بعدهمْ مَا نالهم من الفناء وَأَن الخزاب سيدركها فتذهب الْآثَار كَمَا ذهب المؤثرون لَهَا فَهَذِهِ عَادَة الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا والمعهود من تصاريفها
10 - الْمَعْنى يُرِيد أَنه كَانَ عالى الهمة وَمَا كَانَ يرضى بمبلغ يبلغهُ فى الْعلَا حَتَّى يطْلب مَا فَوْقه وَلم يَسعهُ مَوضِع لِكَثْرَة جُنُوده وَلَا يرضى بذلك الْمَكَان لِأَنَّهُ كَانَ لَا يبلغ مبلغا إِلَّا رَآهُ قَلِيلا لنَفسِهِ متواضعا عَن جلالة قدره وَلَا يملك جِهَة من الأَرْض إِلَّا ضَاقَتْ عَن همته وَقصرت مَعَ سعتها عَن الْوَفَاء برغبته
11 - الْغَرِيب البلقع الخالى الذى لَا شئ فِيهِ وَقَوله ذَهَبا تَمْيِيز الْمَعْنى يَقُول كُنَّا نظن أَنه صَاحب ذخائر فَلَمَّا مَاتَ لم يخلف شَيْئا لِأَنَّهُ كَانَ جوادا وَقَوله {كل دَار بلقع} يُرِيد أَن مآل كل دَار أَن تكون خَالِيَة بعد ساكنها بلقعا وَهَذِه عَادَة الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا
الصفحة 270