كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 2)

- الْإِعْرَاب كل روى بِالنّصب وَالرَّفْع فَمن رفع فالتقدير كل شئ من هَذِه الْأَشْيَاء يجمعه وَمن نصب أَرَادَ يجمع كل شئ من الْمَذْكُورَات الْغَرِيب أَعْوَج هُوَ فَحل كريم كَانَ فى الْجَاهِلِيَّة تنْسب إِلَيْهِ الْخَيل الأعوجية وَإِنَّمَا سمى أَعْوَج لِأَن غَارة نزلت بِأَصْحَابِهِ لَيْلًا فَهَرَبُوا وَكَانَ هَذَا الْفرس مهْرا فلضنهم بِهِ حملوه فى وعَاء على الْإِبِل فاعوج ظَهره وبقى فِيهِ العوج فلقب بالأعوج وَقَالَ الأصمعى سُئِلَ ابْن الْهِلَالِيَّة فَارس أَعْوَج عَنهُ فَقَالَ ضللت فى بعض مفاوز بنى تَمِيم فَرَأَيْت قطاة تطير فَقلت فى نفسى وَالله مَا تُرِيدُ إِلَّا المَاء فاتبعتها فَمَا زلت أَغضّ من عنان أَعْوَج حَتَّى وَردت المَاء وَأدْركت القطاة وَهَذَا الْبَيْت من قَول حَاتِم
(مَتى مَا يَجِئْ يَوْما إِلَى المَالِ وَارِثى ... يَجِدْ جمْعَ كَفّ غيرِ مَلأَى وَلا صِفْرِ)

(يَجِدْ مُهْرَةً مثْلَ القَناةِ قَوِيمَةً ... وَعَضْبا إذَا مَا هُزَّ لَمْ يَرْضَ بالمُهْرِ)

(وَرُمحاً رُدَيْنِياًّ كأنَّ كَعُوبَهُ ... نَوَى القَسْبِ قد أرْبى ذِرَاعا على العَشرِ)
وَمثله
(إِذا خَزَنَ المَالَ البَخيلُ فإنَّمَا ... خَزَائِنُهُ خَطِيَّةٌ وَدُرُوعُ)
وَمن قَول عُرْوَة بن الْورْد
(وذِى أمَلٍ يَرْجُو تُرَاثى ... . الْبَيْت ... )
وَمن قَول امْرَأَة
(مَضَى وَوَرِثْناهُ دَرِيسَ مُفاضَةٍ ... )
وهى من أَبْيَات الحماسة وَقد قَالَ مَرْوَان بن أَبى حَفْصَة فى معن بن زَائِدَة يرثيه
(وَلمْ يَكُ كَنْزُهُ ذَهَبا وَلَكِنْ ... حَدِيدَ الهنْد والحَلَقَ المُذَالا)

13 - الْإِعْرَاب إِذا جعلته الْمجد والمكارم أخسر صَفْقَة اخْتَلَّ لِأَنَّك تفصل بالمكارم بَين أخسر وَبَين صَفْقَة وهى مَنْصُوبَة بأخسر الَّتِى هى عطف على الْمجد وَهَذَا غير جَائِز لِأَن صَفْقَة تحل من أخسر مَحل الصِّلَة من الْمَوْصُول أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن تَقول زيد أحسن وَعَمْرو وَجها وَلَكِن لَك أَن تصفه إِلَى وَجه آخر وَهُوَ أَن تجْعَل المكارم عطفا على الضَّمِير فى أخسر فَإِن عطفته على الضَّمِير الذى فِيهِ لم يكن أَجْنَبِيّا مِنْهُ فَلَا يعد فصلا بَينه وَبَين صَفْقَة فَيصير نَحْو قَوْلك مَرَرْت بِرَجُل أكل وَعَمْرو خبْزًا بعطف عَمْرو على الضَّمِير فى أكل وَنصب خبْزًا بِأَكْل وفى نَوَادِر أَبى زيد
(فَخيْرٌ نَحْنُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْكُمُ ... إذَا الدَّاعِى المُثَوّبُ قالَ يالا)
فَلَا يجوز ان يكون نَحن مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ ومنكم مُتَعَلق بِخَير على أَن يكون خير خَبرا لمبتدأ لِئَلَّا يفصل نَحن بَين خير ومنكم وَلَكِن يجوز أَن يكون نَحن توكيدا للضمير فى خير وَيكون خير خبر مبتدإ مَحْذُوف فَكَأَنَّهُ قَالَ فَنحْن خير خير عِنْد النَّاس مِنْكُم وَحسن حذف نَحن الأولى الَّتِى هى مُبْتَدأ لمجئ الثَّانِيَة توكيدا للضمير فى خير وَيجوز وَجه آخر وَهُوَ أَن تنصب صَفْقَة بِفعل مُضْمر يدل عَلَيْهِ أخسر وَتجْعَل المكارم عطفا على الْمجد لَا على الضَّمِير فى أخسر فَلَا تكون على هَذَا قد فصلت بَين مَا يجرى مجْرى الصِّلَة والموصول فَيصير التَّقْدِير الْمجد أخسر والمكارم أَيْضا كَذَلِك ثمَّ قَالَ صَفْقَة وَكَأَنَّهُ قَالَ خسرت صَفْقَة فَدلَّ أخسر على خسرت كَمَا دلّ أعلم فى قَوْله تَعَالَى {إِن رَبك هُوَ أعلم من يضل عَن سَبيله} على يعلم أَو علم فَيكون من يضل مَنْصُوبًا بِالْفِعْلِ الذى دلّ عَلَيْهِ أعلم وَإِنَّمَا حملناه على ذَلِك هربا من أَن يكون من يضل من يضل فى مَوضِع جر بِالْإِضَافَة إِلَى أعلم لِأَن أعلم وأفعل إِذا أضيف إِلَى شئ كَانَ بَعْضًا لَهُ نَحْو قَوْلك زيد أكْرم النَّاس فلابد أَن يكون من النَّاس وَلَا نقل زيد أفضل النعام لِأَنَّهُ لَيْسَ من النعام فَكَذَلِك لَا يجوز أَن تضيف أعلم إِلَى من يضل لِأَن الله تَعَالَى لَا يكون بعض الضَّالّين الْغَرِيب الأروع الْكَرِيم الْحسن المنظر الْمَعْنى يَقُول الْمجد والمكارم حظهما أنقص من أَن يعِيش أَبُو شُجَاع المرثى الْجَامِع لشملهما الْمُوكل بحفظهما

الصفحة 271