كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

الْمَعْنى يَقُول أَيْن هَذِه الرقة الَّتِي نشهدها والشفقة الَّتِي نبصرها مِنْك عِنْد تقلدك الْحَرْب واقتحامك فِي شدائدها ونفاك فِي مضايقها حِين يستكره الْحَدِيد فِي رُءُوس الرِّجَال وَيكثر صليله بتجالد الْأَبْطَال وَهُوَ من قَول البحتري
(لِمْ يكُنْ قَلْبُكَ الرَّقيقُ رَقيقا ... لَا وَلا وَجْهُكَ المَصُونُ مَصُونا)

11 - الْغَرِيب تفلى من فليت رَأسه إِذا فصلت الْقمل مِنْهُ وَأَصله من فلوت الفلو عَن أمه إِذا أَنْت فصلته عَنْهَا وَفِي الحَدِيث كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يدْخل على أم حرَام بنت ملْحَان فتفلي رَأسه وَهَذِه خَالَة أنس بن مَالك وَكَانَت تَحت عبَادَة بن الصَّامِت وَتوفيت مَعَ زَوجهَا فِي غزَاة بِفَارِس فِي زمن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان الْمَعْنى يَقُول مؤكدا لما قبله أَيْن خلفت هَذِه الرقة عِنْد لقائك الرّوم وإيقاعك بهم وإقدامك عَلَيْهِم والرءوس تفلى بِالسُّيُوفِ والنفوس تخترم بالحتوف قَالَ الواحدي ويروى تقلى بِالْقَافِ أَي ترمى كالقلة
12 - الْغَرِيب الْمنون الْمنية والمنون الدَّهْر وَيجوز تذكيره وتأنيثه وَيَأْتِي بِمَعْنى الْجمع وَبِمَعْنى الْإِفْرَاد قَالَ عدي بن زيد
(مَن رأيْتَ المَنُونَ خَلَّدْنَ أمْ مَنْ ... ذَا عَليْهِ مِنْ أنْ تُضَامُ خَفِيرُ)
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب
(أمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِها تَتَوَجَّعُ ... )
فروى وريبها بالتذكير والتأنيث وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن بَرى النَّحْوِيّ الْمَقْدِسِي الْمنون اسْم مُفْرد وَلَا يكون جمعا وَقَول عدي بن زيد خلدن فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالْألف وَاللَّام الْجِنْس كَقَوْلِه تَعَالَى {أَو الطِّفْل الَّذين لم يظهروا} وَقَوله تَعَالَى {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فسواهن} وَسبب ذَلِك كَون الْألف وَاللَّام تصير الطِّفْل بِمَعْنى الْأَطْفَال وَالسَّمَاء بِمَعْنى السَّمَوَات الْمَعْنى أَنه يعزيه بالكبرى الْبَاقِيَة فَيَقُول قاسمك الْمَوْت شَخْصَيْنِ فَذهب بِإِحْدَاهُمَا وَترك الْأُخْرَى فَكَانَت هَذِه الْمُقَاسَمَة جورا لِأَنَّهُ كَانَ من حَقك أَن يتركهما وَلَكِن هَذَا الْجور عدل فِيك حَيْثُ تَركك حَيا وَكَانَت الْمُقَاسَمَة مَعَك فِي الْأُخْتَيْنِ وَالْمعْنَى إِذا كنت أَنْت الْبَقِيَّة فالجور عدل هَذَا إِذا نصيب الْقسم وَجعل الْفِعْل للجور وَمن روى جعل الْقسم نَفسه فِيهِ عدلا يُرِيد أَن الْقسم جعل نَفسه عدلا فِي الْجور لِأَنَّهُ

الصفحة 126