كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

وَالْمعْنَى مَا تستلذه انفس النَّاس من الْحَيَاة أنفس فِيهَا وأشهى إِلَيْهَا من أَن يمل ذَلِك ويستطال وَيكرهُ وَلَا يستدام وَهُوَ مَنْقُول من قَول الْحَكِيم إِذا تجوهرت النَّفس تعلّقت بالعالم الْعلوِي فَلَا تسكن إِلَى الهمم الترابية وَلَا يعترضها ملل
26 - الْغَرِيب أُفٍّ كلمة المتضجر وآف لَهُ بِمَعْنى ويل لَهُ فِيهَا لُغَات بالحركات الثَّلَاث مَعَ التَّنْوِين وَغير التَّنْوِين واف بِالْمدِّ وَقد قَرَأَ ابْن كثير وَابْن عَامر بِالْفَتْح من غير تَنْوِين وَقَرَأَ نَافِع وَحَفْص بِالْكَسْرِ والتنوين وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ من غير تَنْوِين وَفِي الضعْف لُغَتَانِ فتح الضَّاد وَضمّهَا وبالفتح قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة الْمَعْنى يَقُول مؤكدا لما قدم وَإِذا قَالَ الشَّيْخ أُفٍّ لنَفسِهِ وَأظْهر الاستطالة لمُدَّة عمره فَلم يكن ذَلِك لِأَنَّهُ مل الْحَيَاة وسئمها فَإِنَّمَا مل الضعْف والهرم واستكره الْكبر والألم وَهَذِه إِشَارَة إِلَى أَن الْحَيَاة تألفها طباع الْبشر وتستحب فِي الشبيبة وَالْكبر وَهُوَ مَنْقُول من قَول الْحَكِيم الكلال والملال يتعلقان بالأجسام لضعف آلَة الْجِسْم
27 - الْمَعْنى إِن الْعَيْش إِنَّمَا يطيب بالشباب وَصِحَّة الْجِسْم فَإِذا ذَهَبا عَن الْإِنْسَان فسد عيشه وَالْمعْنَى آلَة الْعَيْش وبهجته وَحَقِيقَته الشَّبَاب وَالصِّحَّة والإقبال وَالْقُوَّة فَإِذا ذهب ذَلِك ولى وَأدبر وتنغص عَلَيْهِ وتكدر
28 - الْإِعْرَاب الدُّنْيَا مَرْفُوعَة بتسترد عندنَا وبتهب عِنْد الْبَصرِيين لأَنهم يعْملُونَ الثَّانِي وَبِه جَاءَ الْقُرْآن وإعمال الأول جَاءَ فِي الْأَشْعَار كثيرا الْمَعْنى يَقُول الدُّنْيَا تسترد مَا تهب فليتها تخلت وَمَا جَادَتْ وَالْمعْنَى أَن الدُّنْيَا مستحيلة منتقلة متغيرة تسترد هبتها وتكدر مشربها وَتعقب الْبَقَاء بالفناء والسراء بالضراء فيا لَيْت الْحَيَاة الَّتِي جَادَتْ بهَا واخترعت الْأَنْفس بحبها لم تكن وَاقعَة وَلم تُوجد النُّفُوس إِلَيْهَا سَاكِنة وليتها بخلت بِمَا جَادَتْ ببذله ومنعت مَا تسرعت إِلَى فعله وَهَذَا كَقَوْل الجلاح
(وَللْمَنْعٌ خَيرٌ من عَطاءِ مُكَدَّر ... )
وكما قَالَ الآخر
(الدَّهُر آخذُ مَا أعطَى مُكَدِّرُ مَا ... أصْفَى وَمُفْسِدٌ ماأهْوَى لًهُ بيد)

(فَلا يَغُرَّنْكَ مِنْ دَهْرٍ عَطِيَّتُهُ ... فليسَ يَترُكُ مَا أعْطى عَلى أحَد)
وَهُوَ من قَول الْحَكِيم الدُّنْيَا تطعم أَوْلَادهَا وتأكل ولادها

الصفحة 130