كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

- الْغَرِيب الْخلّ الْخَلِيل والصاحب الْمَعْنى يَقُول لَو بخلت وَلم تَجِد لكفتنا فرحة بِوُجُود شَيْء يعقب لفقده عَمَّا فَكَانَت تكفى أَهلهَا بذلك فرحة تُؤدِّي إِلَى غم ومسرة تئول إِلَى حزن وَكَون خَلِيل يؤنس بِقُرْبِهِ وتتأكد البصيرة فِي حبه ثمَّ تخترمه الْمنية وتغادر الْهم خَلِيلًا للحازن عَلَيْهِ وإلفا لذِي الوجد المشتاق إِلَيْهِ فالدنيا مثل رجل وهب لرجل شَيْئا فَلَمَّا فَرح بِهِ أَخذه مِنْهُ فَكَانَ أسفه عَلَيْهِ أَكثر من فرحه بِهِ
30 - الْمَعْنى يَقُول هِيَ على هَذِه الْحَالة من الْغدر وَالرُّجُوع فِي الْهِبَة محبوبة وَالْمعْنَى أَنَّهَا محبوبة عِنْد أَهلهَا على كَثْرَة غدرها ومحبوبة أَيْضا على قلَّة وفائها لَهُم لَا تتمّ وَصلهَا وَلَا يشْكر من صحبها فعلهَا
31 - الْمَعْنى يُرِيد كل من أبكته الدُّنْيَا إِنَّمَا يبكي عَلَيْهَا وَلَا يخلى الْإِنْسَان يَدَيْهِ عَنْهَا إِلَّا قسرا يحل بديه مِنْهَا وَالْمعْنَى كل دمع تسيا فَإِنَّمَا هُوَ أَسف على مفارقتها وكل حزن تَبعته فَإِنَّمَا ذَلِك إشفاق على مباعدتها وبحل الْيَدَيْنِ المتمسكتين تتْرك وتزايل وبفكها عَنْهَا تخلى وتباين وَهَذَا إِشَارَة إِلَى الْمَوْت الَّذِي يغلب أهل الدُّنْيَا على قربهَا ويخرجهم عَنْهَا مَعَ كلفهم بحبها
32 - الْغَرِيب الشيم الطبائع وَاحِدهَا شِيمَة والغانيات النِّسَاء الشواب الْوَاحِد غانية وَقيل هِيَ ذَات الزَّوْج الَّتِي قد غنيت بزوجها قَالَ جميل
(أُحِبُّ الأَيامَي إذْ بُثَيْنَةُ أيّمُ ... وأحْبَبْتُ لَمَّا أنْ غَنِيتِ الغَوَانِيا)
وَقيل غنيت بحسنها وجمالها الْمَعْنى يُرِيد أَن الدُّنْيَا طبعها طبع الغواني يُشِير إِلَى مَا هن عَلَيْهِ من عدم الصيانة لود وَقلة الْإِقَامَة على الْعَهْد وتخلق الدُّنْيَا بِهَذِهِ الخليقة واحتمالها على هَذِه الطَّرِيقَة فَلَا أدرى لهَذَا التَّمْثِيل أنث اسْمهَا النَّاس وَهَذَا من بَاب التجاهل لعذوبة اللَّفْظ وصنعة الشّعْر كَمَا قَالَ زُهَيْر
(وَما أدْرِي وَسَوْفَ إخالُ أدْرِي ... أقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِساءُ)
يدْرِي أَنهم رجال وَلكنه تعامى عَن هَذَا لِأَن فِيهِ ضربا من الهزء بهم

الصفحة 131