كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
الْجِسْم بِأَن يصير لمثلهَا وَيُقِيم لَدَيْهَا فِي مثل حَالهَا وتريه لكل عُضْو من أَعْضَائِهِ مِثَالا شَاهدا ونظيرا حَاضرا وَأَشَارَ بذلك إِلَى وقْعَة سيف الدولة على الرّوم عِنْد بنائِهِ الْحَدث وَقد وصفهَا فِي قَوْله
(عْلَى قَدْرِ أهْلِ العَزْمِ ... ... القصيدة)
وَلم تكن ببعيدة من هَذِه الْوَقْعَة فَلَمَّا اشرفوا على مَوضِع تِلْكَ الْوَقْعَة وَذكروا عظم تِلْكَ البلية أشفقوا من أَن يعاودهم سيف الدولة بِمِثْلِهَا فَوَلوا مُدبرين وفروا من بَين يَدَيْهِ منهزمين
26 - الْغَرِيب الدراك التَّتَابُع والخيال مَا يرى على غير حَقِيقَة _ الْمَعْنى فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير وَالتَّقْدِير أبصروا الطعْن فِي قُلُوبهم دراكا خيالا قبل أَن يرَوا الرماح يُرِيد لشدَّة خوفهم تصوروا مَا صنعت بهم قَدِيما فَرَأَوْا الطعْن تخيلا فِي قُلُوبهم قبل رُؤْيَة الرماح حَقِيقَة _ قَالَ الْخَطِيب اعْتبر الْمُتَأَخّرُونَ بالمتقدمين فكأنهم تخيلوا الطعْن دراكا وَبينهمْ وَبَين من يطلبهم مَسَافَة بعيدَة فَفرُّوا قبل أَن ينْظرُوا إِلَى خيال الرماح _ وَالْمعْنَى يَقُول لَهُ مثلت هيبتك للروم إيقاعك بهم وأرتهم طعان رماحك دراكا فِي قُلُوبهم قبل أَن يتخيلوا ذَلِك ويتحققوه ويتمثلوه ويشاهدوه فعادوا بالفرار مِنْك وولوا منهزمين عَنْك
27 - الْمَعْنى قَالَ الواحدي الْأَعْدَاء إِذا حاولوا طعانك رَأَوْا أَذْرع قناك لطولها وَسُرْعَة وصولها إِلَيْهِم أميالا يعْنى أَنَّهَا تطول فتصل إِلَيْهِم سريعة وَهَذَا ضد قَوْله
(طِوَالُ قَنا تُطاعِنُها قِصَارُ ... )
_ قَالَ وَقَالَ ابْن جنى أَي لشدَّة الرعب قَالَ وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {يرونهم مثليهم} قَالَ وَقَوله لشدَّة الرعب كَلَام حسن وَأما احتجابه بِالْآيَةِ فخطأ قَالَ وَيجوز أَن يُرِيد بالقنا قِنَا الْأَعْدَاء الَّذين يحاولون الطعان وَالْمعْنَى أَنهم كلما حاولوا طعانك برماحهم استطالوها فَرَأَوْا أذرعها أميالا أَي أَنَّهَا تثقل عَلَيْك جبنا وخوفا مِنْك هَذَا كَلَامه وَالْمعْنَى إِذا حاولت فرسَان طعانك ومثلت لأنفسها قتالك أَرَاهُم الْفَزع أَذْرع رماحك أميالا مُتَّصِلَة لما تتوقعه من طَعنهَا وتحذره من مخوف فعلهَا
الصفحة 141