كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
فَهَذَا بِمَعْنى الْإِقَامَة وَلم يَخْتَلِفُوا فِي قَوْله {حسنت مُسْتَقرًّا ومقاما} لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْموضع وَعَلِيهِ قَول لبيد
(عَفَتِ الدّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها)
_ الْمَعْنى يَقُول لمحبوبته أَو جدينا السَّبِيل إِلَى وصلك نصلك معجبين بك وصلينا فِي هَذِه الدُّنْيَا نسر بذلك ونعترف لَك وَالْإِقَامَة فِي الدُّنْيَا قَليلَة والرحلة عَنْهَا متدانية سريعة
8 - الْإِعْرَاب روى الواحدي بِعَيْنِه وَهُوَ عَائِد إِلَى من وروايتنا بِعَينهَا رَاجع إِلَى الدُّنْيَا _ الْغَرِيب الْقطَّان المقيمون واحدهم قاطن والحمول الْأَحْمَال وَيجوز أَن يكون المتحملين وَقد جَاءَت الحمول بِمَعْنى النِّسَاء المتحملات فِي قَول الْبَارِقي
(أمِنْ آلِ شَعْثاءَ الْحُمُولُ البَوَاكِرُ ... معَ الصُّبْحِ قدْ زَالَتْ بِهِنَّ الأباعِرُ)
_ الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح من رأى الدُّنْيَا بِالْعينِ الَّتِي يجب أَن ينظر بهَا إِلَيْهَا فَإِنَّهَا ترَاهَا رزية فالعين فِي هَذَا الْوَجْه للْإنْسَان وَيجوز أَن يكون للدنيا من قَوْلهم هَذَا عين الشَّيْء أَي حَقِيقَته أَي من عرف الدُّنْيَا حق مَعْرفَتهَا تَيَقّن أَن أَهلهَا راحلون لَا محَالة فَلم يجد بَين القاطن والراحل فرقا فَهَذَا يشوقه وَهَذَا يشوقه لِأَن الرحيل قد شملهما وَالْمعْنَى من رأى الدُّنْيَا بِعَينهَا وتوسمها بحقيقتها شاقة القاطن فِيهَا لقلَّة مقَامه كَمَا يشوقه الظاعن عَنْهَا لسرعة زَوَالهَا كَأَنَّهُ أَرَادَ ذَوي الحمول فَحذف الْمُضَاف وَهُوَ مَنْقُول من قَول عَبدة بن أَيُّوب
(وفَارَقْتُهُمْ والدَّهْرُ مَوْقِفُ فُرْقَةٍ ... عَوَاقِبُهُ دارُ الْبِلَى وأوَائِلُهْ)
9 - الْغَرِيب أَدَم بِضَم الدَّال وَفتحهَا إِذا شحب لَونه وَتغَير وَنزع إِلَى السوَاد ظَاهره والقناة قناة الرمْح والذبول اليبس والدقة _ الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح إِن كَانَت الْأَسْفَار غيرت وَجْهي فَلَيْسَ ذَلِك بِعَيْب فِي وَإِن كَانَ عَيْبا فِي غَيْرِي بل هُوَ وصف مَحْمُود فِي كَمَا أَن الذبول وَإِن كَانَ مذموما فَهُوَ فِي الْقَنَاة مَحْمُود لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى صلابتها كَقَوْل الطَّائِي
(لانَتْ مَهَزَّتُهُ فَعَزَّ وإنَّمَا ... يَشْتتَدُّ رأسُ الرُّمْحِ حِينَ يَلِينُ)
قَالَ وَقَوله بعد بَيَاض لَيْسَ هُوَ مُعْتَرضًا بل هُوَ مُسَدّد للمعنى لِأَنَّهُ لم يبال بِتَغَيُّر لَونه وَإِن كَانَ غَيره من النَّاس هُوَ يستوحش فَإِنَّهُ يحمده من نَفسه وَإِن كَانَ لم يزل آدم لما مدح نَفسه بقلة الفكرة فِي تغير لَونه بعد بياضه ونضرته أَي تَغَيَّرت بعد حسن وشبيبة وَذَلِكَ لما عاينته من الْأَسْفَار وتقلبت فِيهِ من الْأَحْوَال وَأَنا فِي ذَلِك مثل الرمْح الَّذِي تعرب سمرته عَن عتقه وتدل ذبلولته على صلابته وَصدقه
الصفحة 150