كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

- الْغَرِيب الفتاة الشَّمْس جعلهَا فتاة لِأَن الزَّمَان لَا يُؤثر فِيهَا كَمَا يُقَال للدهر الأزلم الْجذع أَي طرى لَا يَسْتَحِيل والتبديل التَّغْيِير _ الْمَعْنى يَقُول صحبتني على الفلاة الَّتِي قطعتها فِي سيري والأسباب الَّتِي عاينتها وتجشمتها فتاة لَا يهرم شخصها وَلَا ينتقص حسنها عَادَتهَا فِي الألوان أَن تبدلها وتنقلها إِلَى الأدمة وتغيرها وَقَوله فتاة على سَبِيل الِاسْتِعَارَة لِأَن طُلُوعهَا يَتَجَدَّد فِي كل يَوْم فَهِيَ بكر فِي كل يَوْم
11 - الْغَرِيب الحجال جمع حجلة وَهُوَ بَيت يزين بالثياب والستور وَهُوَ بَيت الْعَرُوس واللمى سَمُرَة تكون فِي الشفتين _ الْمَعْنى يَقُول لمحبوبته سترتك الحجال عَن هَذِه الفتاة الَّتِي غيرت لوني لِأَنَّك فِي كن عَنْهَا لَا يصيبك حرهَا وَلَكِن بك مِنْهَا تَقْبِيل لما فِي شفتيك من الأدمة كَأَنَّهَا قبلتك فأورثتك هَذَا اللمى الَّذِي فِي شفتيك
12 - الْغَرِيب التَّلْوِيح تَغْيِير الْجِسْم واللون والعطبول الطَّوِيلَة الْعُنُق التَّامَّة الْجِسْم وَجَمعهَا عطابل وعطابيل _ الْمَعْنى يَقُول أَنْت مثل الشَّمْس غيرت لوني وَأَنت أسقمت جسمي وزادت فِي تَأْثِيرا أبهاكما وَهِي أَنْت وَالْمعْنَى أَنْت مماثلة لَهَا بحسنك وَغير بعيدَة مِنْهَا فِي فعلك وكلاكما لَهُ فِي جسمي فعل غَيره وتأثير بُد لَهُ فالشمس لوحته وَأَنت أسقمته وأذهبت نضرته وأنحلته وزدت أَنْت فِي قُوَّة التَّأْثِير وأفرطت فِيمَا أوجبته من التَّغْيِير وَهَذَا إِشَارَة إِلَى أَن محبوبته بزيادتها على الشَّمْس فِي حسنها زَادَت عَلَيْهَا فِي فعلهَا
13 - الْغَرِيب نجد مَوضِع بَين الْكُوفَة وَمَكَّة الْمَعْنى أَنه أظهر تجاهلا وَهُوَ عَارِف وَهَذِه طَريقَة الشُّعَرَاء وَالْإِنْسَان إِذا اشتاق إِلَى الشَّيْء سَأَلَ عَنهُ مَعَ علمه بِهِ وَإِذا أحب شَيْئا أَكثر ذكره وَأكْثر السُّؤَال عَنهُ وَإِن كَانَ يعرفهُ كَقَوْل بشر بن أبي خازم
(أسائِلُ صَاحِبي وَلَقَد أرَانِي ... يَصِيراً بالظَّعائِنِ حَيْثُ صَارُوا)
وكقول الآخر
(وخَبَّرَنِي عَن مَجْلِسٍ كُنتَ زَيْنَهُ ... بِحَضْرَةِ قَوْمٍ وَالمَلاءُ شُهُودُ)

(فقُلتُ لهُ كُرَّ الحَديثَ الَّذي مَضَى ... وَذِكْرَكَ مِن كَرَ الحَديثِ أُرِيدُ)

(أُناشِدُهُ إلاَّ أعادَ حَدِيثَهُ ... كأنّي بَطيءُ الفَهْمِ حِينَ يُعِيدُ)

14 - الْمَعْنى يُرِيد أَن كثيرا من السُّؤَال يبْعَث عَلَيْهِ شدَّة الشوق ويقود إِلَيْهِ استحكام التطلع والتوق دون جَهَالَة توجب القَوْل بِهِ وَقلة معرفَة تحمل على الِاسْتِعْمَال لَهُ وَكثير من الْجَواب تَعْلِيل للسَّائِل دون جهل بِحَقِيقَة مَا يَطْلُبهُ وتأنيس لَهُ مَعَ الاستبانة بجملة مَا يرغبه وَالْمعْنَى الَّذِي حَملَنِي على السُّؤَال الاشتياق وَلَكِن أتعلل بالسؤال عَن الْجَواب
15 - الْإِعْرَاب لَا أَقَمْنَا أَي لم نقم كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَا صدق وَلَا صلى} أَي لم يصدق وَقَالَ الشَّاعِر
(وأيَّةُ لَيْلَةٍ لَا كُنْتَ فِيها ... كخاوِي النَّجْمِ يُحْرِقُ مَنْ يُلاقِي)
وَقَالَ أَبُو الْفَتْح يجوز أَن يكون على الْقسم أَي وَالله لَا أَقَمْنَا _ الْمَعْنى قَالَ ابْن القطاع الْمَعْنى لَا نُقِيم على مَكَان وَإِن طَابَ وَلَا يُمكنهُ الرحيل مَعنا أَي لَا نُقِيم الْبَتَّةَ لِأَن الْمَكَان لَا يرحل مَعنا فَلَا نُقِيم على مَكَان أبدا حَتَّى نَلْقَاهُ إِلَّا أَن يسير الْمَكَان مَعنا فَكَذَلِك نَحن لَا نُقِيم فِي مَكَان وَإِن طَابَ وَقيل نفي النَّفْي إِيجَاب فِي كَلَام الْعَرَب فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا نُقِيم فِي مَكَان إِلَّا أَن يرحل مَعنا وَهَذَا مثل قَول الفرزدق
(بأيدي رجال لم يشيمسوا سيوفهم ... وَلم يكثروا بهَا حِين سلت)
قيل مَعْنَاهُ لم يشيمسوا سيوفهم إِلَّا بعد أَن كثرت الْقَتْلَى وَفِي الْبَيْت معنى آخر وَهُوَ على التَّقْرِير بِأَن تقرر صفة الشئ وَالْمرَاد ضِدّه فَكَأَنَّهُ قَالَ لم يشيموا وَلم يكثروا الْقَتْلَى أى كثرت جدا وَمِنْه قَول الشنفري
(صَلِيَتْ مِنِّي هُذَيْلٌ بِخِرْقٍ لَا يَمَلُّ الشَّرَّ حَتَّى يَمَلُّوا)
مَعْنَاهُ على مَذْهَب التَّقْرِير لَا يمل الشَّرّ وَإِن ملوه وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث إِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا مَعْنَاهُ لَا يجازيكم جَزَاء الْملَل وَإِن مللتم وَجَاء فِي الحَدِيث وَإِن صهيبا لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ مَعْنَاهُ لَو لم يخف أَي أَمن فَكَأَنَّهُ قيل لَو أَمن الله مَا عَصَاهُ وَفِيه معنى آخر وَهُوَ أَن نفي النَّفْي إِيجَاب فَيكون الْمَعْنى أَن صهيبا لَو أَمن الله مَا عَصَاهُ

الصفحة 151