كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

أَي لم يَعْصِهِ وعَلى مَذْهَب التَّقْرِير لَو لم يخف الله مَا عَصَاهُ أَي لم يَعْصِهِ أبدا وَفِيه معنى آخر وَهُوَ أَن لَو فِي الْكَلَام تدل على امْتنَاع الشَّيْء لِامْتِنَاع غَيره فَيكون الْمَعْنى الْعِصْيَان امْتنع لأجل الْخَوْف أَي لما خَافَ لم يعْص وَالْمعْنَى الأول وَمَا بعده أبلغ من هَذَا لِأَن مَعْنَاهَا لَو أَمن الله مَا عَصَاهُ وَمعنى هَذَا الآخر أَن الْعِصْيَان امْتنع من أجل الْخَوْف _ وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْمَكَان الَّذِي لَا يُمكنهُ الرحيل مَعنا إِلَى سيف الدولة شوقا إِلَيْهِ وَقد بَينه فِيمَا بعد وَقَالَ الواحدي وَيجوز ان يكون على الدُّعَاء كَمَا تَقول لَا فض الله فَاك يَقُول لم تقم فِي الطَّرِيق إِلَيْهِ بمَكَان وَإِن طَابَ ذَلِك الْمَكَان ثمَّ قَالَ وَلَا يُمكن الْمَكَان أَن يرتحل أَي لَو أمكنه لارتحل مَعنا
16 - الْغَرِيب الترحيب بالزائر الاستبشار بِهِ والسبيل الطَّرِيق _ الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح يَعْتَذِرُونَ إِلَى الْأَمَاكِن وَالرَّوْض إِذا رَحبَتْ بهم لأَنهم لَا يقدرُونَ على الْإِقَامَة وَهِي لَا يُمكنهَا الرحيل _ وَقَالَ الواحدي كلما طَابَ لنا مَكَان كَأَنَّهُ يرحب بِنَا لطيب الْمقَام بِهِ قُلْنَا لذَلِك الْمَكَان لَا نُقِيم عنْدك لِأَن قصدنا حلب وَأَنت الْمَمَر فَلَا نقدر أَن نُقِيم عنْدك وَالْمعْنَى كلما رَحبَتْ الرياض بِنَا بِمَا تظهر من حسنها وَمَا تستميلنا بِهِ من زهراتها وطيبها قُلْنَا لَهَا حلب مُسْتَقر سيف الدولة فصدنا الَّذِي نرغبه وغرضنا الَّذِي نعتمد عَلَيْهِ ونطلبه وَأَنت طَرِيق نسلكه وَلَا ننزل فِيهِ ونعمره وَلَا نعرج عَلَيْهِ
17 - الْغَرِيب الوجيف والذميل ضَرْبَان من السّير سريعان _ الْمَعْنى يُخَاطب الرَّوْض يَقُول فِيك مرعى مطايانا وخيلنا وَبِك نستعين على مَا نحاوله من سيرنا إِلَى حلب نوجف مُسْرِعين وإليها نبادر غير متوقفين
18 - الْمَعْنى يُرِيد وَمن يُسمى بالأمير غَيره وَيتَعَاطَى التَّمَكُّن فِي الرّفْعَة كثير مِمَّا نشهده غير مَعْدُوم فِيمَا نعلمهُ وَلَكِن الْأَمِير الَّذِي بحلب نأمل مكارمه وَهُوَ المرجو الَّذِي لَا يُنكر فَضله وفضائله
19 - الْمَعْنى يَقُول سيف الدولة سَافَرت عَنهُ وفارقته فِي شَرق الْبِلَاد وغربها وعطاؤه لم يزل عني وَذَلِكَ أَنه انفذ إِلَيْهِ هَدِيَّة عِنْد وُرُوده الْعرَاق وَهَذَا مثل قَوْله فِيهِ
(وَمَنْ فَرَّ مِنْ إحْسانِهِ حَسَداً لهُ ... تَلَقَّاهُ مِنْهُ حَيْثُما سارَ نائِلُ)

الصفحة 153