كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

الْمَعْنى يَقُول أَحْيَا وأهون مَا قاسيت الَّذِي قتل وَهَذَا الْفِرَاق جَائِر عَليّ مَعَ ضعْفي وَقَوله وَمَا عدلا كرر الْمَعْنى يُقَال جَار وَمَا عدل وَالْمَفْهُوم أَن الجائر قد علم مِنْهُ أَنه لم يعدل وَإِنَّمَا كَرَّرَه لِأَن الجائر فِي وَقت قد يعدل فيوصف بالجور إِذا جَار وبالعدل إِذا عدل وَهَذَا جَار عَلَيْهِ وَمَا عدل وَمثله فِي الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى {أموات غير أَحيَاء} فتوصيفها بِالْمَوْتِ يدل أَنَّهَا أموات فَالْمَعْنى أَنَّهَا أموات لَا تحيا فِي الْمُسْتَقْبل كَمَا يحيا النَّاس عِنْد الْبَعْث وَالْمعْنَى أَنه جَار على ضعْفي بمقاساة الْهوى وَلم يعدل حِين فرق بيني وَبَين أحبتي
2 - الْغَرِيب الوجد الْحزن والشوق والنوى الْبعد الْمَعْنى يَقُول الشوق والحزن زائدان كَمَا يزْدَاد الْبعد كل سَاعَة وَالصَّبْر قَلِيل ضَعِيف كَمَا يضعف الْجِسْم ويقل ويبلى
3 - الْإِعْرَاب قَالَ ابْن القطاع لَهَا هِيَ الفاعلة والمنايا فِي مَوضِع خفض بِالْإِضَافَة وَالْمعْنَى وجدت لَهَوَات المنايا فلهَا جمع لهاة وَقَالَ قَالَ لي شَيْخي مُحَمَّد ابْن عَليّ التَّمِيمِي قَالَ لي أَبُو عَليّ بن رشدين قلت للمتنبي عِنْد قراءتي عَلَيْهِ أضمرت قبل الذّكر قَالَ لَيْسَ كَذَلِك وَلَيْسَت المنايا فاعلة وَإِنَّمَا هِيَ فِي مَوضِع خفض وَقَالَ الشريف هبة الله بن مُحَمَّد فِي أَمَالِيهِ لَهَا من الحشو لِأَن الْمَعْنى غير مفتقر إِلَيْهَا الْغَرِيب المنايا جمع منية وَهِي الْمَوْت والسبل جمع سَبِيل وَهِي الطَّرِيق وَإِنَّمَا جمعهَا لِأَنَّهُ أَرَادَ صِحَة الْمَعْنى لِأَن فِرَاق الحبيب يُوجد للمنية سَبِيلا مباينة للسبل الَّتِي جرت عَادَة الْمنية بِهِ وَذَلِكَ أَن فِرَاقه إِنَّمَا يكون فِي الْأَغْلَب مَعَ الهجر والمنية تدْرك بِهِ من طَرِيق الْعِشْق وَطَرِيق الْفِرَاق وَطَرِيق الشوق وَطَرِيق الْعَجز طرقا شَيْء فَلذَلِك اسْتعْمل الْجمع والسبيل تذكر وتؤنث قَرَأَ أَبُو بكر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وليستبين سَبِيل بِالْيَاءِ وَقَرَأَ نَافِع بِالتَّاءِ وَنصب السَّبِيل على الْخطاب للنَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ على التَّأْنِيث وَرفع السَّبِيل الْمَعْنى يُرِيد لَوْلَا الْفِرَاق لما كَانَ للمنية طَرِيق إِلَى الْأَرْوَاح وَإِنَّمَا توسلت إِلَيْهَا بطرِيق فِرَاق الأحباب وَهَذَا من قَول أبي تَمام
(لَو جاءَ مُرتادُ المَنِيَّةِ لَم يَجد ... إلاَّ الفرَاقَ عَلى النُّفُوسِ دَليلاً)

4 - الْإِعْرَاب الْفَاء جَوَاب أما لِأَنَّهَا أسبق وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ

الصفحة 163