كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
أبي الْحرم وَأبي مُحَمَّد وَبدل عَلَيْهِ قَوْله عقلا وَيكون فِيهِ الْمُطَابقَة بَين الْجُنُون وَالْعقل وَالْمعْنَى أَن هَذَا الدنف يصير مَجْنُونا لشدَّة شوقه ووجده فلولا أَنه يجد رَائِحَة شرقية من قبل أحبائه لما رَجَعَ إِلَيْهِ الْعقل وَلكنه إِذا وجد ريح الْمشرق من قبل أحبائه خف جُنُونه وَقد نظر فِيهِ إِلَى قَول عبد الله بن الدمينة
(وأسْتَنشِقُ النَّسْماءَ مِنْ نحوِ أرْضِكُم ... كأَني مَريضٌ والنَّسِيمُ طَبِيبُ)
7 - الْإِعْرَاب هَا للتّنْبِيه وَالْمعْنَى هَا أَنا ذَا وَترى جَوَاب الْأَمر وَقَوله فقد وَألا جَوَاب الشَّرْط الْغَرِيب الحرق جمع حرقة وَقَوله وأل تَقول وأل الرجل يئل إِذا نجا الْمَعْنى يَقُول هَا أَنا ذَا فانظري إِلَى أَو فكري فِي إِن لم تنظري أَي استعملي نَفسك فِي الرُّؤْيَة والروية ترى من أَمْرِي مَا يسوءك فَعَسَى أَن ترحميني لما تَرين بِي من حرق من حبك من لم يجد الْقَلِيل مِنْهَا فقد نجا من بلَاء الْحبّ وَقد وصف فِي عجز الْبَيْت مَا ذكره من الحرق مُجملا مَا فَصله البحتري فِي قَوْله
(أعِيدِي فيَّ نَظْرَةَ مُسْتَشِيبٍ ... تَوَخَّى الأجْرَ أوْ كره الأثاما)
(تَرَى كَبِداً مُحَرَّقَةً وَعَيناً ... مُؤَرَّقَةً وَقَلْبا مُسْتَهاما)
8 - الْإِعْرَاب عل حرف ذهب أَصْحَابنَا الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن لامه الأولى أَصْلِيَّة وَذهب البصريون إِلَى أَنَّهَا زَائِدَة حجتهم أَنَّهَا حرف والحروف كلهَا حروفها أَصْلِيَّة لِأَن حُرُوف الزِّيَادَة الْعشْرَة الَّتِي يجمعها الْيَوْم تنساه إِنَّمَا تخْتَص بالأسماء وَالْأَفْعَال فَأَما الْحُرُوف فَلَا يدخلهَا شَيْء من هَذِه الْحُرُوف على سَبِيل الزِّيَادَة بل يحكم على حروفها كلهَا بِأَنَّهَا أَصْلِيَّة فِي كل مَكَان على كل حَال أَلا ترى أَن الْألف لَا تكون فِي الِاسْم وَالْفِعْل إِلَّا زَائِدَة أَو منقلبة وَلَا يجوز أَن يحكم عَلَيْهَا فِي مَا وَلَا بِأَنَّهَا زَائِدَة أَو منقلبة بل يحكم عَلَيْهَا بِأَنَّهَا أَصْلِيَّة فَدلَّ على أَن اللَّام الأولى فِي لَعَلَّ أَصْلِيَّة وَالَّذِي يدل على ذَلِك أَيْضا أَن اللَّام خَاصَّة لَا تكَاد تزاد إِلَّا على سَبِيل الشذوذ فَكيف يحكم عَلَيْهَا بِزِيَادَة فِيمَا لَا يجوز فِيهِ الزِّيَادَة بِحَال وَحجَّة الْبَصرِيين أَنهم وجدوها فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا كَقَوْل نَافِع الطَّائِي
(وَلَسْتُ بلَوَّامٍ عَلى الأمْرِ بَعْدَما ... يَفُوتُ وَلَكِنْ عَلَّ أنْ أتَقَدَّما)
وكقول الآخر
(لَا تُهينَ الفَقِيرَ عَلَّكَ أنْ ... تَرْكَعَ يَوْما والدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ)
الصفحة 165