كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

الْمَعْنى يُرِيد أَنه كَانَ ينظر إِلَى النَّجْم نظرا مُتَّصِلا خوفًا من الظلال فَجعله لدوامه كالعقد لطرفه يُرِيد أَنه لم يزل ينظر إِلَى النَّجْم حَتَّى كَأَنَّهُ قد عقد طرفه بِهِ وَإِذا غَابَ النَّجْم عقد حر وَجهه بَحر الشَّمْس وَالْمعْنَى أَنه سَافر فِيهِ لَيْلًا وَنَهَارًا حَتَّى بلغ مَا أَرَادَ وجانس بَحر الشَّمْس حر الْوَجْه
23 - الْإِعْرَاب الضَّمِير فِي حصاها عَائِد على الْمَفَازَة الْغَرِيب الصم الشداد الصلاب من كل شَيْء واليعملة النَّاقة القوية إِلَى يعْمل عَلَيْهَا فِي السّير وَالْجمع يُعَامل ويعملات وتغشمرت تعسفت والسهل مَا سهل من الأَرْض والجبل الْحزن وَهُوَ مَا صَعب قطعه من الأَرْض الْمَعْنى يَقُول أوطأت نَاقَتي الْحَصَى من هَذِه المفاوز كَمَا تُوطأ الْمَرْأَة أَي جمعت بَينهمَا وَركبت نَاقَتي على غير قصد تَارَة سهلا وَتارَة جبلا فَلم تزل تعسف بِي حَتَّى وصلت إِلَيْك
24 - الْإِعْرَاب الضَّمِير فِي غيطانها للمفاوز أَيْضا الْغَرِيب الْغِيطَان جمع غَائِط وَهُوَ الَّذِي اطْمَأَن من الأَرْض وانخفض والزجل الصياح وَالصَّوْت والجلبة والنمرق نمرق الكور وَهُوَ الَّذِي يلقى عَلَيْهِ الرَّاكِب فَخذه للاستراحة وحشو الشَّيْء مَا فِي بَاطِنه الْمَعْنى يَقُول لَو كنت بدلي تَحت ثِيَابِي وَفرق نمرق نَاقَتي لسمعت جلبة الْجِنّ وأصواتهم فِي منخفض هَذِه المفاوز لِأَنَّهَا مأوى الْجِنّ لبعدها عَن الْإِنْس وَالْعرب إِذا وصفت الْمَكَان الْبعيد تَجْعَلهُ مسكن الْجِنّ كَمَا قَالَ الأخطل
(مَلاعِبُ جِنَّانِ كأنَّ تُرَابَها ... إذَا اطَّرَدَتْ فِيها الرّياحُ مُغَرْبَلُ)
وَالْمعْنَى مَأْخُوذ من قَول ذِي الرمة
(لِلْجِنّ باللَّيْلِ فِي حافاتِها زَجَلٌ ... كمَا تَجاوَبَ يَوْمَ الرّيحِ عَيْشُومُ)
والعيشوم مَا يبس من الحماض
25 - الْمَعْنى يَقُول وصلت إِلَى الممدوح بِنَفس قد ذهب أَكْثَرهَا أَي ذهب لَحمهَا ودمها من شدَّة النصب وَالْخَوْف لمقاساتها فِي هَذِه الطَّرِيق الْبَعِيدَة ثمَّ تمنى أَن يعِيش بِمَا بقى مِنْهَا ليقضى حق الممدوح بخدمته لَهُ
196

- 26 الْمَعْنى يُخَاطب الممدوح وَيَقُول لَهُ أَنا أطلب عطاءك الَّذِي هُوَ مُبَاح لكل طَالب لَا يخْشَى مِنْك مطالا وَيُرِيد أَنه يسْتَقلّ كثير مَا يعْطى وهمتك فِي الْجُود فَوق كل همة فَإِذا وهبت الدُّنْيَا كلهَا كنت بَخِيلًا لعلو همتك فالدنيا حقيرة بِالْإِضَافَة إِلَى همتك وَهُوَ من قَول حسان
(يُعُطى الجَزِيلَ وَلا يَرَاهُ عِنْدَهُ ... إلاَّ كَبَعْضِ عَطِيَّةِ المَذْمُومِ)
وَمن قَول أبي الْعَتَاهِيَة
(إنّي لأَيأَسُ مِنْها ثُمَّ يُطْمِعُنِي ... فِيها احْتِقارُكَ للدُّنْيا وَما فِيها)

الصفحة 171