كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
الْمَعْنى جعل النَّاقة كالموج والمفازة لسعتها كالبحر وَجعل نَفسه إِذا ركب النَّاقة فِي ظهر هَذِه الْمَفَازَة فِي موجة ترميه فِي بَحر لَا سَاحل لَهُ وَالضَّمِير فِي رمت للموجة
10 - الْمَعْنى يَقُول يشبه لي أَن الْبِلَاد وَلَا يُرِيد بالبلاد هُنَا المفاوز أَي لَا تَسْتَقِر فِي بلد وَأخرج إِلَى أُخْرَى كَمَا أَن العذل لَا يسْتَقرّ فِي أذن وَإِنَّمَا يدْخل فِي أذن وَيخرج من الْأُخْرَى وَأَرَادَ مِمَّا تَقول العواذل فَحذف للْعلم بِهِ وَقد نَقله من قَول الآخر
(كأّني قَذَّى فِي عَينِ كُلّ بِلادِ)
وكقول البحتري
(تَقاذَفُ بِي بِلادٌ عَنْ بِلاد ... كأّنيَ بَيْنَها عيْر شَرُّودُ)
11 - الْإِعْرَاب أَرَادَ تتساوى فَحذف تَاء المضارعة دون الْأَصْلِيَّة عِنْد أَصْحَابنَا الْكُوفِيّين وَعند الْبَصرِيين الْمَحْذُوف الْأَصْلِيَّة وَحجَّتنَا أَن حذف الزَّائِدَة أولى لِأَن الزَّائِد أَضْعَف فَحَذفهُ أولى من الْأَصْلِيّ وَحجَّة الْبَصرِيين أَن الزَّائِد دخل لِمَعْنى وَهُوَ المضارعة فَحذف مَا دخل لغير معنى أولى وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ الثَّانِيَة هِيَ الَّتِي تسكن فتدغم كَمَا رَأَيْت فِي فاد ارأتم وَهِي الَّتِي يفعل بهَا ذَلِك فِي تذكرُونَ فَكَمَا أَنَّهَا اعتلت هُنَا كَذَلِك تحذف هُنَاكَ وتاء المضارعة لاتعل وتساوى فِي مَوضِع جزم لِأَنَّهَا وَقعت جَوَابا للشّرط الْغَرِيب الْعلَا تَأْنِيث الْأَعْلَى كالكبر فِي جمع الْكُبْرَى والمحابي جمع الْمحيا وَهُوَ مفعل من الْحَيَاة كَقَوْلِه تَعَالَى {ومحياي ومماتي} الْمَعْنى يَقُول من يطْلب مَا أطلب من الشّرف والرتب الْعَالِيَة اسْتَوَى عِنْده الْحَيَاة وَالْقَتْل لِأَنَّهُ علم أَن الْأُمُور الْعَالِيَة فِيهَا المخاوف والمهالك فَهُوَ قد وَطن نَفسه على الْهَلَاك فَهُوَ يصبر عَلَيْهِ وَلَا يُبَالِي بِهِ وَمن جعل تَسَاوِي فعلا مَاضِيا أثبت الْيَاء وَهُوَ فِي مَوضِع جزم وَهُوَ روايتي عَن شيخى أبي مُحَمَّد وَمن رَوَاهُ بِإِسْقَاط الْيَاء جعله مُسْتَقْبلا كَمَا ذكرنَا وَهُوَ مجزوم بِجَوَاب الشَّرْط
12 - الْإِعْرَاب نصب السيوف لِأَنَّهَا اسْتثِْنَاء مقدم كبيت الْكُمَيْت
(ومَالِيَ إِلَّا آلَ أحُمَدَ شِيْعَةٌ ... وَما لِي إلاَّ مَذْهَبَ الحَقّ مَذْهَبُ)
الْغَرِيب الْوَسَائِل جمع وَسِيلَة وَهِي مَا يتوسل بِهِ الْإِنْسَان الْمَعْنى يُرِيد أَنه لَا يتْرك قتال الْأَعْدَاء وَلَا يطْلب إِلَّا أنفسهم وَلَا يتوسل إِلَى أحد بل يتوسل إِلَى بُلُوغ مُرَاده بسيوفه وَقَالَ الواحدي يَقُول لملوك عصره لَا نطلب إِلَّا أَرْوَاحهم وَلَا نتوسل إِلَّا بسيوفنا اهـ وَلَا يَقُول هَذَا القَوْل إِلَّا لدلالته على حمقه
13 - الْمَعْنى يَقُول مَا وَردت السيوف وَالضَّمِير فِي وَردت وصدرت رَاجع لَهَا يُرِيد إِذا وَردت روح امْرِئ كَانَت أملك بهَا مِنْهُ وَصَارَ وَإِن كَانَ بَخِيلًا غير بخيل لِأَن السَّيْف ينَال مِنْهُ مَا يطْلب بِهِ أَو أَنه يفتدى بِمَالِه وباخل وبخيل بِمَعْنى كَذَا قَالَ أَبُو الْفَتْح وَنَقله الواحدي حرفا فحرفا
14 - الْإِعْرَاب من نصب غثاثة نصبها بإضمار فعل تَقْدِيره أرى أَو نَحوه وَمن رَفعهَا جعلهَا ابْتِدَاء وَالْخَبَر أَن تغث الْغَرِيب غث الشَّيْء يغث غثاثة ويغث بِفَتْح الْغَيْن وَكسرهَا فِي الْمُسْتَقْبل والمصدر غثا وغثوثة وغثاثة وَأَصله الهزال وغث اللَّحْم إِذا كَانَ مهزولا فَهُوَ غثيث وغث أَي فسد وأغث الرجل فِي مَنْطِقه وأغثث الشَّاة هزلت الْمَعْنى يَقُول أرى غثاثة عيشي أَي هزالة فِي هزل كَرَامَتِي لافي هزال مطاعمي وَهُوَ من كَلَام الْحَكِيم عدم الْغنى من النَّفس أَشد من عدم الْغنى من الْملك وَالْمَال
الصفحة 177