كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
رَأَيْت هَذَا الممدوح على فرس سابح شَدِيد الجري يسبح فِي موج الْمَوْت فِي وَقت تَأتيه السِّهَام من كل مَكَان وَهُوَ لإقدامه وشجاعته لَا يرجع فَكَانَ السِّهَام فِي صَدره وبل لقلَّة فكرته بِهِ
18 - الْغَرِيب الْقرن بِكَسْر الْقَاف الْكُفْء والمثل وَفُلَان قرن فلَان أَي كفؤه والتحديق وَشدَّة النّظر والنزال الْقِتَال وَهُوَ من منازلة الأقران وَكَانُوا إِذا أَشْتَدّ الْقِتَال نزل بَعضهم إِلَى بعض بِالسُّيُوفِ وَقيل كَانُوا يركبون الْإِبِل ويجنبون الْخَيل إِذا غزوا فَإِذا وصلوا إِلَى الْعَدو تداعوا نزال فينزلون عَن الْإِبِل ويركبون الْخَيل وَمِنْه بَيت الحماسة
(وَدَعَوا نَزَالِ فكُنتُ أوَّلَ نازِلٍ ... وَعلامَ أرْكَبُهُ إذَا لَمْ أنْزِلِ)
ثمَّ سمى الْقِتَال نزالا والمقاتلة منازلة وَإِن لم يكن هُنَاكَ نزُول وأغضت الْعين غمضت والسنان طرف الرمْح وَالْجمع أسنة الْمَعْنى يَقُول كم شُجَاع يتعاطى شجاعته إِذا رَآهُ فِي مأزق غض طرفه هَيْبَة لَهُ فَلم يغضها إِلَّا وَكَانَ طرف السنان كحلا لَهَا وَالْمعْنَى كم من فَارس قصد لقتاله فَلم يغمض عينه إِلَّا والسنان لَهَا كحل جعل السنان لعينيه بِمَنْزِلَة الْكحل
19 - الْإِعْرَاب الأَصْل فِي قيل قَول بِكَسْر الْوَاو كضرب فَثقلَتْ الكسرة على الْوَاو وَالْفِعْل اصله معتل وأعلوه فنقلوا كسرة الْوَاو إِلَى الْقَاف فسكنت الْوَاو وانكسر مَا قبلهَا فقلبت يَاء وَمن الْعَرَب من يشم الضمة تَنْبِيها على الأَصْل وَمِنْهُم من يَقُول قَول بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول بِسُكُون الْوَاو وَضم الْقَاف وَهُوَ رَدِيء وَقَرَأَ عَليّ بن حَمْزَة وَهِشَام عَن ابْن عَامر بإشمام الْقَاف الضَّم تَنْبِيها على الأَصْل ورفقا مصدر رفق الْمَعْنى يَقُول إِذا أَمر بالرفق وَقَالَ لَهُ الأقران ارْفُقْ رفقا قَالَ مَوضِع الْحلم غير الْحَرْب والرفق والحلم يستعملان فِي السّلم وَأما الْحَرْب فَلَا رفق فِيهَا بالأقران والحليم فِيهَا جَاهِل كواضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَهَذَا معنى مطروق وَقد طرقه كثير من الشُّعَرَاء قَالَ الفند الزماني
(وَبَعْضُ الحلْمِ عنْدَ الجَهْلِ ... للذِّلِّةِ إذْعانُ)
وَقَالَ سَالم بن وابصة
(إنَّ مِنَ الحِلْمِ ذُلاّ أنتَ عارِفُهُ ... والحلمُ عَن قُدرَةٍ فضْلٌ مِن الكَرَم)
وَقَالَ الخزيمي
(أرَى الحلمَ فِي بَعضِ المَوَطنِ ذلِّةً ... وَفِي بَعْضِها عِزّا يُسَوّدُ صَاحِبَه)
الصفحة 187