كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
- الْإِعْرَاب كفى إِذا كَانَ بِمَعْنى أَجْزَأَ وأغنى تعدى إِلَى مفعول كَقَوْلِك كفاني دِرْهَم أَي أجزأني وكفاني قرص أَي أغناني وَإِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَنْع والكف فَهُوَ يعتدي إِلَى مفعولين نَحْو قَوْلك كفيت فلَانا شَرّ فلَان أَي منعته وَمِنْه فَسَيَكْفِيكَهُم الله وهما مُخْتَلِفَانِ معنى وَعَملا وَكفى فِي هَذَا الْبَيْت من النَّوْع الأول وثعلا مفعول كفى وفخرا نصب على التَّمْيِيز وَالْفَاعِل أَن بصلتها وَالْبَاء زَائِدَة كزيادتها فِي كفى بِاللَّه وَفِي دُخُولهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَن يكون بِمَعْنى اكتفوا وَالثَّانِي لاتصال التَّأْكِيد لِأَن الِاسْم فِي قَوْلك كفى الله يتَّصل بِالْفِعْلِ اتِّصَال الفاعلية وَإِذا قلت كفى بِاللَّه اتَّصل اتِّصَال الْإِضَافَة واتصال الفاعلية وفعلوا ذَلِك للإيذان بِأَن الْكِفَايَة من الله لَيست كالكفاية من غَيره فِي عظم الْمنزلَة فضوعف لَفظهَا لتضاعف مَعْنَاهَا فَإِذا قلت كفى بزيد عَالما حَملته على معنى اكتفيت بِهِ وَيجوز فِي دهر الرّفْع وَالنّصب فالرفع راوية أبي الْفَتْح وَبِه قَرَأت قَالَ أَبُو الْفَتْح ارْتَفع دهر بِفعل مُضْمر دلّ عَلَيْهِ أول الْكَلَام فَكَأَنَّهُ قَالَ وليفخر دهر أهل فَأهل صفة لدهر وَلَا وَجه لَهُ إِلَّا هَذَا وَلَا يجوز رَفعه على الأبتداء إِلَّا على حذف الْخَبَر وَقَالَ المعري وَغَيره ودهرا بِالنّصب عطفا على قَوْله ثعلا وَرفع أهل على تَقْدِير هُوَ أهل وَقَالَ الربعِي نصب دهرا على أسم أَن وَأهل خبر عَنهُ وَالْمعْنَى كفى ثعلا فخرا بأنك وَأَن دهرا لِأَن أمسيت من أَهله أهل وَإِن رفعته بِالِابْتِدَاءِ أضمرت لَهُ خَبرا مدلولا عَلَيْهِ بِأول الْكَلَام فَحسن وَإِن كَانَ نكرَة لِأَنَّهُ متخصص بِالصّفةِ تَقْدِيره ودهر أهل فاخر بك وَقد يجوز رفع دهر عطفا على فَاعل كفى وَهُوَ الْمصدر الْمُقدر لِأَن أَن مَعَ خَبَرهَا بِمَعْنى الْكَوْن لتَعلق مِنْهُم باسم الْفَاعِل الْمُقدر الَّذِي هُوَ كَائِن تَقْدِيره كفى ثعلا فخرا كونك مِنْهُم ودهر مُسْتَحقّ لِأَن أمسيت من أَهله أَي وكفاهم فخرا دهر أَنْت فِيهِ أَي أَنهم فَخَروا بكونك مِنْهُم وفخروا بزمانك لنضارة أيامك كَقَوْل حبيب
(كأنَّ أيَّامَهُم مِنْ حُسْنِها جُمَعُ)
وَعطف دهرا وَهُوَ أسم حدث على الْكَوْن الْمُقدر وَهُوَ أسم حدث ودهر مَوْصُوف بِصفة فِيهَا ضمير عَائِد على أسم أَن وَهُوَ التَّاء من أمسيت فَهَذَا وَجه فِي الرّفْع صَحِيح لَيْسَ فِيهِ تَقْدِير مَحْذُوف وَالْوُجُوه الْمَذْكُورَة لَيْسَ فِيهَا وَجه خَال من حذف وَقَالَ الشريف هبة الله بن الشجري يجوز رفع فَخر بِإِسْنَاد كفى إِلَيْهِ وَتخرج الْبَاء عَن كَونهَا زَائِدَة فتجعلها متعدية مُتَعَلقَة بالفخر وجر الدَّهْر بالْعَطْف على مجرور الْبَاء وَيرْفَع أهل بِالِابْتِدَاءِ فَيصير اللَّفْظ كفى ثعلا فَخر بأنك مِنْهُم وبدهر وَالْمعْنَى أَنهم اكتفوا بفخرهم بِهِ وبزمانه الْغَرِيب ثعل بطن من طي وهم قَبيلَة الممدوح الْمَعْنى يُرِيد كفاهم الْفَخر على سَائِر الْعَرَب بكونك مِنْهُم وَكَذَلِكَ الدَّهْر كَفاهُ الْفَخر على الْأَزْمِنَة الَّتِي قبله وَبعده لكونك من أَهله وَأهل الْأَخير فِي الْبَيْت مَعْنَاهُ مُسْتَحقّ ومستأهل قَالَه الواحدي
28 - الْإِعْرَاب ويل ابْتِدَاء وَخَبره مَا بعده وَهُوَ من النكرات الَّتِي يجوز بهَا الأبتداء كَقَوْلِك سَلام عَلَيْكُم الْغَرِيب يُقَال ويل لَهُ فِي الدُّعَاء وويح لَهُ فِي الترحم والتحنن عَلَيْهِ كَقَوْلِه
وَيْح عمار تقتله الفئة الباغية وحاولت طلبت وغرة غَفلَة الْمَعْنى يَقُول طوبي لعين لَا تَخْلُو من إبصارك وويل النَّفس طلبت مِنْك غَفلَة
29 - الْغَرِيب شام الْبَرْق تطلع إِلَيْهِ وَإِلَى سَحَابَة أَيْن يمطر وشمت مخايل الشَّيْء إِذا تطلعت إِلَيْهِ ببصرك منتظرا لَهُ والفاقة الْحَاجة والصيب الْمَطَر الشَّديد قَالَ تَعَالَى {أَو كصيب من السَّمَاء} وَالْمحل الجدب الْمَعْنى يَقُول من يَرْجُو مواهبك ويقصدك لَا تناله فاقة لِأَنَّك تحقق رَجَاءَهُ وَإِذا كنت بمَكَان فَلَا جَدب فِيهِ لِأَن عطاياك تقوم لأَهله مقَام الْغَيْث وَضرب الْبَرْق وَالْمحل مثلا لقصد الآمال إِلَيْهِ كَمَا يشام برق السَّحَاب
الصفحة 190