كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

الْمَعْنى يَقُول اكبر عيب يعيب بِهِ أحد عِنْده الْبُخْل لانه كريم فَلَا يحب بَخِيلًا فَإِذا عَابَ إنْسَانا قَالَ هُوَ بخيل والطعن عَلَيْهِ أَن تشبهه بالأسد لِأَنَّهُ أَكثر قُوَّة وبأسا من الْأسد وأقدم فِي الهيجاء على الْأَعْدَاء من إقدام الْأسد
19 - الْغَرِيب الْجِرَاحَات جمع جِرَاحَة وَهِي مَا يكون بِسيف أَو رمح أَو سهم أَو مدى والنغمات جمع نَغمَة وَهُوَ الصَّوْت والسيب الْعَطاء وَالسُّيُوف الرِّكَاز والسيب مصدر سَاب والسيب بِكَسْر السِّين مجْرى المَاء الْمَعْنى يَقُول إِذا سبق صَوت السَّائِل قبل أَن يُعْطِيهِ فَكَأَنَّمَا هِيَ جراح فِي جسده وَقَالَ الواحدي نَغمَة السَّائِل تُؤثر فِي قلبه تَأْثِير الْجِرَاحَات تأسفا كَيفَ أَن نواله لم يسْبق إِلَيْهِ وَتَأَخر حَتَّى أَتَى يَطْلُبهُ لِأَن عَادَته أَن يُعْطي السُّؤَال بِغَيْر سُؤال وَلَا طلب فَإِذا بلغت نَغمَة سَائل وسبقت قبل نواله بلغ ذَلِك مِنْهُ مبلغ الْجراحَة من الْمَجْرُوح وَقَالَ الْخَطِيب يلتذ نغمات السَّائِل كَمَا يلتذ الْجراح وَالْمعْنَى أَنه يشق عَلَيْهِ نَغمَة السَّائِل قبل الْإِعْطَاء ويحكى أَن الْحسن بن عَليّ عَلَيْهِمَا السَّلَام أَتَاهُ مَال من مُعَاوِيَة فَقَسمهُ فَلم يبْق إِلَّا خَمْسمِائَة دِينَار فَأَرَادَ أَن يقوم بهَا من مَجْلِسه فَالْتَفت وَإِذا أَعْرَابِي قد جَاءَ على نَاقَة لَهُ فَقَالَ الْحسن لغلامه أدفَع إِلَيْهِ هَذِه الدَّنَانِير وَقل لَهُ إِنَّك أتيت وَلم يبْق عندنَا سواهَا فَأَخذهَا الْأَعرَابِي وَقَالَ لَهُ يَا بن بنت رَسُول الله وَالله مَا أَتَيْتُك إِلَّا قَاصِدا فَمَاذَا أعلمك بحالي فَقَالَ لَهُ إِنَّا أنَاس تُعْطِي قبل السُّؤَال شحا على مَا رجاه السَّائِل لنا ثمَّ أنْشد
(نَحْنُ أُناسٌ جنَابُنا خَضِلٌ ... يُسْرِعُ فِيهِ الرَّجاءُ والأَمَلُ)

(نَبْذُلُ قَبْلَ السُّؤَالِ نائِلَنا ... شُحَّا عَلى مَا رَجاهُ مَنْ يَسَلُ)
وَمثل هَذَا الْمَعْنى قَول مَرْوَان بن أبي حَفْصَة يرثي بِهِ معن بن زَائِدَة
(ثَوَى مَنْ كانَ يَحْمِلُ كُلُ ثِقْلٍ ... وَيَسْبِقُ فَيْضُ رَاحَتِهِ السؤالا)

20 - الْغَرِيب النقي الجيب عبارَة عَن الطَّاهِر من الْعَيْب وَقيل الجيب الْقلب والأبدال جمع بدل وَبُدَيْل مثل شرِيف وأشراف وطوى وأطواء وشرير وأشرار وشهيد وأشهاد وَهَذَا جمع فعيل على أَفعَال وهم الْعباد سموا إبدالا لأَنهم إِبْدَال الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي إِجَابَة دعواتهم ونصحهم لِلْخلقِ وَقيل إِذا مَاتَ حَدهمْ أبدل الله مَكَانَهُ آخر فهم لَا ينقصُونَ حَتَّى تقوم السَّاعَة وَيُقَال هم أَرْبَعُونَ رجلا فِي أقطار الأَرْض الْمَعْنى يَقُول هُوَ سراج مُنِير يَهْتَدِي بِرَأْيهِ فِي مُشكل الخطوب وظلمات الْأُمُور

الصفحة 196