كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
- الْإِعْرَاب هَذَا تضمين لما قبله تَقْدِيره نعال لنعال لجياد وَقد عابه عَلَيْهِ قوم وَقَالُوا هُوَ تضمين فَاحش لَان الأول لم يكن شَدِيد الْحَاجة إِلَى الثَّانِي فَاللَّام مُتَعَلقَة بِالْأولِ الْغَرِيب الْجِيَاد جمع جواد على غير قِيَاس وَهُوَ مَذْكُور فِي مَوَاضِع من كتَابنَا وأعراء جمع عري وَهُوَ الَّذِي لَا سرج عَلَيْهِ وَمِنْه حَدِيث انس رَضِي الله عَنهُ ركب رَسُول الله
على فرس عري لأبي طَلْحَة يُقَال لَهُ مَنْدُوب وَقيل فِي بَيت رُؤْيَة بن العجاج
(يَغْشَى قَراً عارِيَة أعْرَاؤُهُ ... )
ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن يكون جمع عراء وَهُوَ الْمَكَان الْخَالِي كَقَوْلِه تَعَالَى {فنبذناه بالعراء} وَالثَّانِي أَن يكون جمع عري وَالثَّالِث أَن يكون جمع عرا وَهُوَ النَّاحِيَة من قَوْلهم لَا يقرب عراه والجلال جمع جلّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ الْجلَال وَاحِد وَذكرهَا فِي الْآحَاد وَقَالَ جُمُعَة أجلة فعلى هَذَا إِذا كَانَ جمعا كَانَ مفرده جلا وَإِذا كَانَ وَاحِدًا كَانَ جمعه أجلة وَقَالَ الْجَوْهَرِي الجل وَاحِد جلال الدَّوَابّ وَجمع الْجلَال أجلة والجل الْورْد وَهُوَ فَارسي مُعرب قَالَ لأعشي
(وَشاهِدنُا الجُلُّ والْياسمِينُ ... والمُسْمعاتُ بأقْصَابِها)
يُرِيد الزامرات الْمَعْنى يَقُول لجعلت رؤوسهم نعالا لجياد صفتهَا أَنَّهَا تدخل الْحَرْب عَارِية من الْجلَال وَلَا يحسن أَن يُقَال عَارِية من السُّرُوج واللبد فيخرجن من الْحَرْب وَهن قد لبسن الدَّم عوضا من الْجلَال لِأَن الدَّم لما جف عَلَيْهِنَّ صَار كالجلال لَهُنَّ وَهُوَ مَنْقُول من قَول جرير
(وتُنْكِرُ يْومَ الرَّوعِ ألوان خَيلنا ... مِن الطَّعنِ حَتَّى تَحْسِبَ الجْونَ أشْقَرَ)
35 - الْغَرِيب الذوائب جمع ذؤابة وَهِي شعر الرَّأْس والأطفال جمع طِفْل وَهُوَ الصَّغِير وَيكون وَاحِدًا وجمعا قَالَ الله تَعَالَى {أَو الطِّفْل الَّذين لم يظهروا} الْآيَة الْمَعْنى يَقُول أَن السيوف والرماح تُوصَف بالبياض فَلَمَّا باشرت الْقَتْل اكتست الدَّم وَلم يكن عَلَيْهَا فَصَارَت سَوْدَاء فَكَأَنَّهَا أستعارت لونا غير ألوانها وَأَلْقَتْ ألوانها وَهِي الْبيَاض فِي ذوائب الْأَطْفَال لأَنهم يشيبون من شدَّة مَا ينالهم من الْفَزع وَهُوَ مَأْخُوذ من الْآيَة {فَكيف تَتَّقُون إِن كَفرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَل الْولدَان شيبا}
36 - الْإِعْرَاب طورا نَصبه على الظّرْف يُرِيد فِي طور الْغَرِيب الطّور التارة والحين قَالَ النَّابِغَة
(تَناذَرَها الرَّاقُونَ مِن سُوء سَمّها ... تُطَلِّقُهُ طَوْراً وطَوْراً تُرَاجعُ)
والسلسال المَاء العذب الَّذِي يتسلسل فِي الْحلق الْمَعْنى يَقُول أَنْت تَارَة سم لأعدائك والسم يضم وَيفتح وَيجمع على سمام وَتارَة أَنْت حُلْو لأوليائك وَهَذَا الْمَعْنى قد طرقه كثير من الشُّعَرَاء قَالَ أَبُو دؤاد
(فَهُمُ لِلْمُلايِنِينَ أناةٌ ... وعُرَامٌ إذَا يُرَامُ عُرَامُ)
وَقَالَ بشار
(يَليِنُ حِينا وحِينا فِيهِ شِدَّتُهُ ... كالدَّهْرَ يَخْلِطُ إيساراً بإعْسارِ)
وَقَالَ أَبُو نواس
(حَذَرَ امْرِئ نُصِرَتْ يَداه عَلى العِدا ... كالدَّهْرِ فِيهِ شَرَاسَةٌ وَلَيانَ)
وَنَقله أَبُو الشيص إِلَى السَّيْف
(وكالسَّيْفِ إنْ لَا يَنْتَهِ لانَ مَتْنُهُ ... وحَدَّاهُ إنْ خاشَنْتَهُ خَشِنانِ)
37 - الْمَعْنى يَقُول أَنْت النَّاس فَإِذا غبت عَن مَوضِع غَابَ عَنهُ النَّاس
الصفحة 200