كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
(بِضَافٍ فُوَيْقَ الأرْضِ ليسَ بأعْزَلِ ... )
وَإِذا لم يكن أعزل كَانَ أَشد لمتنه وحساب الْجمل حِسَاب يفهمهُ الْحساب وَهُوَ حِسَاب الْجمل الصَّغِير والجمل الْكَبِير على حِسَاب أبجد هوز وَأكْثر مَا يَسْتَعْمِلهُ المنجمون الْمَعْنى يُرِيد أَن كلاب الصَّيْد تكون جرد الأذناب وَأَن آثَار ذَنبه فِي الأَرْض كآثار الْكَاتِب إِذا خطّ حِسَاب الْجمل لِأَنَّهُ يَحْكِي حروفا غير حُرُوف الْكِتَابَة يعلم بهَا العشور والمتين والألوف وَهُوَ خطّ قبْطِي وَلَقَد أحسن فِي هَذَا التَّشْبِيه
17 - الْمَعْنى قَالَ الواحدي جعل ابْن جنى كَأَنَّهُ من جِسْمه من صفة الْكَلْب على مَا فسر وَهُوَ من صفة ذَنبه يَقُول كَأَن الذَّنب متنح متباعد عَن جِسْمه أَلا ترى أَنه يَقُول يتلوى فِي عدوه أخف تلو فَكَأَنَّهُ مُتَّصِل بجسمه وَقَوله لَو كَانَ يبلي السَّوْط هَذَا من صفة الذَّنب وَجعله ابْن جنى من صفة الْكَلْب أَيْضا فَقَالَ هُوَ كالسوط فِي الصلابة فَلَا يُؤثر فِيهِ الْعَدو كَمَا لَا يُؤثر فِي السَّوْط التحريك وَلَيْسَ على مَا قَالَ وَالْمعْنَى ان الْكَلْب يكثر تَحْرِيك ذَنبه ثمَّ لَا يبليه ذَلِك كَمَا ان السَّوْط يكثر تحريكه وَلَا يبليه التحريك وَقد لَاذَ فِي هَذَا بقول ذِي الرمة
(لَا يَذْخِرِانِ مِنَ الإيغالِ باقِيةً ... حَتَّى تَكادَ تَفَرَّى عَنْهُما الأُهُبُ)
وَبقول أبي نواس
(تَرَاهُ فِي الحُضْرِ إذَا هاهَي بِهِ ... يَكادُ أنْ يَخْرُجَ مِنْ إهابِهِ)
18 - الْإِعْرَاب نيل المنى يجوز أَن يكون أبتداء حذف خَبره أَي بِهِ نيل المنى وَيجوز أَن يكون خبر ابْتِدَاء مَحْذُوف الْغَرِيب عقلة الظبي أَي قَيده يمنعهُ من الْعَدو والتتفل ولد الظبي وَقيل ولد الثَّعْلَب والحتف الْهَلَاك الْمَعْنى يَقُول بِهِ ينَال المنى الصَّائِد والمرسل الَّذِي يُرْسِلهُ على الصَّيْد يدْرك بِهِ حكم نَفسه فَهُوَ عقلة الظبي يُقَيِّدهُ بِمَنْعه لَهُ عَن الْفَوْت وَهُوَ هَلَاك التتفل وَقد نَقله من صفة الْفرس إِلَى صفة الْكَلْب من قَول امْرِئ الْقَيْس
(بِمُنْجَرِدٍ قَيْدِ الأوَابِدِ هَيْكَلِ ... )
19 - الْغَرِيب انبريا اعترضا يُرِيد الْكَلْب والظبي فذين فردين منفردين والقسطل الْغُبَار الْمَعْنى يُرِيد أَن الأول هُوَ الظبي لِأَنَّهُ السَّابِق بالعدو فِرَارًا من الْكَلْب وبالآخر الْكَلْب وَأَرَادَ أَنَّهُمَا اعترضا للنَّاظِر فِي عدوهما وَأَن الْكَلْب لم يكن مَعَه كلب آخر وَكَذَلِكَ الظبي لم يكن مَعَه ظَبْي آخر وَضَمان الآخريريد شدَّة جريه وعدوه خَلفه فَجعل ذَلِك ضمانا مِنْهُ
20 - الْإِعْرَاب لافي أَن لَا يأتلي زَائِدَة كزيادتها فِي قَوْله تَعَالَى {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} وَتَقْدِيره ليعلم وَهِي تزاد فِي مثل هَذَا الْعلم بزيادتها وكزيادتها فِي قَوْله تَعَالَى {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} على بعض الْوُجُوه وكزيادتها فِي قَول العجاج
(فِي بْئرٍ لَا حُورٍ سَرَى وَما شَعَرْ ... بإفكِهِ حَتَّى رأى الصُّبْحَ جَشَرْ)
تَقْدِيره فِي بِئْر حور وَلَا زَائِدَة الْغَرِيب الهبوة الغبرة وَمَا ألوت فِي كَذَا وَمَا ائتليت وَمَا أليت أَي قصرت والذهول الغفول عَن الشَّيْء الْمَعْنى يَقُول كل وَاحِد مِنْهُمَا لم يشْتَغل عَن صَاحبه فالظبي يجد فِي الْهَرَب وَالْكَلب يجد فِي الطّلب وَالْكَلب لَا يقصر فِي ترك التَّقْصِير
21 - الْإِعْرَاب مُقْتَحِمًا حَال من الْكَلْب وَالْعَامِل فِيهِ لَا يأتلي الْغَرِيب الاقتحام الدُّخُول فِي الْأَمر الْعَظِيم الشَّديد والجدول النَّهر الصَّغِير الْمَعْنى قَالَ الواحدي قَالَ ابْن جنى أَي حَامِلا نَفسه على الْأَمر الشَّديد بِمَعْنى أَخذ الظبي جعل الْمَكَان الأهول أَخذ الظبي وَلَيْسَ على مَا زعم لِأَن أَخذ الْكَلْب الظبي لَيْسَ الْأَمر الأهول بل هُوَ مَا ذكره من قَوْله يخال طول الْبَحْر يَقُول هَذَا الْكَلْب فِي وثوبه وَسُرْعَة عدوه يقتحم فِي الَّذِي يستقبله من هول حَتَّى لَو استقبله بَحر ظن طوله عرض جدول وَالْمعْنَى أَنه يثب إِلَى الْبَحْر كَمَا يثب إِلَى قطع النَّهر
22 - الْغَرِيب المذروبة الأنياب المحددة والأنصل جمع نصل الْمَعْنى يَقُول إِذا دنا الْكَلْب من الصَّيْد وَقيل لَهُ أدْركْت فافعل مَا نُرِيد فعله من القنص كشر عَن أَنْيَاب محددة كَأَنَّهَا نصول
23 - الْإِعْرَاب مركبات فِي مَوضِع جر صفة لمذروبة الْمَعْنى يَقُول هَذِه الأنياب لَا عهد لَهَا بصقل صقيل وَهِي مركب فِيهَا الْعَذَاب وَأَرَادَ بِالْعَذَابِ حطم الْكَلْب فَأَنَّهُ كالعذاب الْمنزل على الصَّيْد
24 - الْغَرِيب الشمَال ريح يهمز وَلَا يهمز وَهِي الَّتِي عَن شمال الْقبْلَة ويذبل جبل عَظِيم فِي الْحجاز الْمَعْنى يُرِيد كَأَن الأنياب مركبة فِي ريح الشمَال من خفَّة الْكَلْب وسرعته فِي الْعَدو وَكَأَنَّهَا من ثقل الْكَلْب على الصَّيْد كالجبل جعل الْكَلْب فِي خفَّة عدوه كَالرِّيحِ وَفِي ثقله كالجبل
25 - الْغَرِيب الهوجل الأَرْض الواسعة الْمَعْنى يَقُول كَأَن الأنياب من سَعَة فَمه فِي أَرض وَاسِعَة وَكَأَنَّهُ من علمه بالمقتل
26 - الْغَرِيب بقراط حَكِيم قديم وَبِه يضْرب الْمثل فِي الطِّبّ وَالْحكمَة والأكحل عرق فِي الذِّرَاع من عروق الفصاد كالباسليق والقيفال الْمَعْنى نقد الصاحب على المتنبي هَذَا الْبَيْت فَقَالَ لَيْسَ الأكحل بمقتل لِأَنَّهُ من عروق الفصاد وَهُوَ يصف الْكَلْب بِالْعلمِ بالمقتل وَهَذَا خطأ ظَاهر قَالَ القَاضِي أَبُو الْحسن لم يُخطئ لِأَن فصد الأكحل من أسهل أَنْوَاع الفصد فَإِذا أحتاج بقراط إِلَى تعلم فصد الأكحل فهم إِلَى الْعلم بِغَيْرِهِ أحْوج وَهَذَا قَالَ الواحدي لَيْسَ بِجَوَاب شاف وَالْجَوَاب أَن الْكَلْب إِذا كَانَ عَالما بالمقاتل كَانَ عَالما أَيْضا بِمَا لَيْسَ بمقتل وَإِنَّمَا يحْتَاج بقراط إِلَى تعلم مَا لَيْسَ بمقتل فَلذَلِك ذكر أَبُو الطّيب فصد الأكحل فِي تَعْلِيم بقراط الْغَرِيب حَال انْقَلب والقفز والوثوب والتجدل السُّقُوط على الأَرْض والجدالة الأَرْض والمرجل الْقدر يكون من نُحَاس الْمَعْنى يَقُول انْقَلب مَا كَانَ يقفز بِهِ ويثب وَهُوَ قوائمه إِلَى أَن صَار يفحص بِهِ الأَرْض لما أَخذه الْكَلْب وَصَارَ لَحْمه فِي الْقدر
27 - الْغَرِيب ضاره يضيره وَهُوَ من الضير وَبِه قَرَأَ الحرميان وَأَبُو عَمْرو وَسكن مَعَ للضَّرُورَة وَقد تسكن والأفصح فَتحه والأجدل الصَّقْر الْمَعْنى يَقُول لم يضرنا مَعَ هَذَا الْكَلْب فَقدنَا الصَّقْر لِأَنَّهُ عمل عمله ودعا للممدوح بالسلامة فَقَالَ الْبَيْت بعده
28 - الْمَعْنى يَقُول يَا أَبَا على إِذا بقيت سالما فَأَنا ذُو ملك فالملك لله الْآن ثمَّ لي بسلامتك
الصفحة 206