كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

الْمَعْنى يَقُول فِي الخد لأجل رحيل الحبيب مطر يزِيد الدُّمُوع إِلَّا أَنه لَا يثبت بل يمحل ومحول الخدود هُوَ ذهَاب نضارتها وشحوبها والمطر من شَأْنه الأخصاب وَلَكِن هَذَا الْمَطَر بِخِلَاف الْمَطَر الْمَعْهُود فَشبه دُمُوعه لغزارتها بالمطر السَّائِل والمطر ينْبت الرّبيع ويخصب وَهَذَا يمحل الخدود ويخددها وَفِيه نظر إِلَى قَول الآخر
(لَوْ نَبَتَ العُشْبُ مِنْ دُموعٍ ... لَكانَ فِي خَدْيَّ الرَّبِيعُ)

2 - الْغَرِيب نفت أذهبت الرقاد النّوم والفاول مَا يلْحق حد السَّيْف من كَثْرَة الضَّرْب الْمَعْنى يقو النظرة الَّتِي نظرت إِلَى الحبيب عِنْد الْفِرَاق نفت رقادي وأذهبت حِدة عَقْلِي وقلبي يُرِيد أَنَّهَا أثرت فِي عقله وَقَلبه وَيجوز أَن تكون النظرة الأولى الَّتِي نظر الحبيب واستدام الْعِشْق بهَا
3 - الْإِعْرَاب فِي كَانَت ضمير عَائِد على النظرة تَقْدِيره كَانَت النظرة وَفِي الْكَلَام حذف تَقْدِيره كَانَت نظرة غير نافعة مثلت لي أَجلي الْغَرِيب الكحلاء الَّتِي بعينيها كحل من غير تكحل والسول أَصله الْهمزَة إِلَّا انه خفه وَالْأَجَل الْمدَّة الَّتِي يؤخرها الْإِنْسَان حَتَّى تنفد الْمَعْنى يَقُول كَانَت هَذِه النظرة من المحبوبة سؤلي وطلبي وَإِنَّمَا طلبت قرب أَجلي بِالنّظرِ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ أسقمني وقربني من الْأَجَل فَكَانَت فِي الْحَقِيقَة أَجلي تصور مرَادا فِي قلبِي لَا سؤلا وَالسُّؤَال مَا يَطْلُبهُ الْإِنْسَان ويتمناه
4 - الْغَرِيب أَرَادَ بالجفاء الِامْتِنَاع فَلهَذَا عداهُ بعلي والمروءة الْكَرم وَالْفِعْل الْحسن والنوى الْبعد الْمَعْنى يَقُول أجد الِامْتِنَاع مُرُوءَة عِنْدِي إِلَّا عَلَيْك وَالصَّبْر جميلا إِلَّا فِي بعْدك كَقَوْل البحتري
(مَا أحْسَنَ الصَّبْرَ إلاَّ عنْدَ فرْقة مَن ... بِيَنيْه صِرْتُ بَينَ البَثّ وَالحَزَنِ)

5 - الْمَعْنى يَقُول أَنا أبْغض قَلِيل تدلل من غَيْرك وَأحب دلالك الْكثير كَقَوْل جرير
(إنْ كانَ شَأنُكُمُ الدَّلالَ فإنَّهُ ... حَسَنٌ دَلالُكِ ياأُمَيمَ جَمِيلُ)

الصفحة 233