كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)
وحبب إِلَيْهِ الْفِرَار فَالَّذِي اخْتَار الْفِرَار واتخذه صاحبا خير من الَّذِي اجترأ عَلَيْك
44 - الْمَعْنى يَقُول لَو كَانَ النَّاس كلهم يعْرفُونَ الله مثل معرفتك لم يبْعَث الله رَسُولا يَدعُوهُم إِلَيْهِ وَيُعلمهُم دينهم وَقد قَالَ بعض الْأُصُولِيَّة لم يحْتَج النَّاس إِلَى رَسُول فِي معرفَة الله وَإِنَّمَا الْحَاجة إِلَيْهِ فِي تَعْلِيم الشَّرَائِع والحلال وَالْحرَام وَقد أَخطَأ أَبُو الطّيب فِي هَذَا الإفراط وَتجَاوز الْحَد
45 - الْمَعْنى يَقُول لَو كَانَ لفظك فِي النَّاس لم يحتاجوا إِلَى هَذِه الْكتب وَكَانَ كل مِلَّة يغنون بلفظك عَن كتبهمْ وَأَرَادَ أَنه يعرف الْحَلَال من الْحَرَام وَالْحكم وَكَانَ الْيَهُود يغنون بك عَن التَّوْرَاة وَالنَّصَارَى عَن الْإِنْجِيل وَالْمُسْلِمين عَن الْقُرْآن وَهَذِه مُبَالغَة تدخل النَّار نَعُوذ بِاللَّه من الإفراط وَهَذَا الغلو
46 - الْإِعْرَاب أسكن الْيَاء من الْفِعْل الْمَنْصُوب ضَرُورَة وَهَذَا كثير إِذا كَانَ فِي حرفي الْعلَّة وَالْوَاو وَالْيَاء وَمثله بَيت الْكتاب
(كأنَّ أيْديِهنَّ بالقَاعِ الفَرقْ ... )
وَخبر كَانَ وَالْمَفْعُول الثَّانِي من مفعولي تعطيهم محذوفان وَتَقْدِير خبر كَانَ لَهُم والعائد إِلَى الْمَوْصُول من تعطيهم الأول مَحْذُوف وَالتَّقْدِير لَو كَانَ لَهُم الَّذِي تعطيهموه من قبل أَن تعطيهم إِيَّاه لم يعرفوا التأميل الْمَعْنى يَقُول لَو وصل النَّاس وَتقدم إِلَيْهِم عطاؤك قبل أَن تعطيهم لما جرت الآمال فِي قُلُوبهم وَلما أملوا لِأَنَّك تُعْطِي فَوق الأمل فَكَانُوا يستغنون بِمَا نالوا مِنْك عَن الأمل فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تأميل وَقد أَخذه أَبُو نصر بن نباتة فَقَالَ
(لمْ يُبْق جُودُكَ لِي شيئْا أُؤَملُه ... تَرَكْتَنِي أْصَحبُ الدُّنيا بِلَا أمَلِ)
وَقَالَ أَبُو الْفرج الببغاء وَكَانَ فِي عصر أبي نصر بن نباتة
(لمْ يُبْقِ جُودُكَ لِي شَيْئا أُؤَمِّلُه ... دَهري لأنَّكَ قّدْ أفْنّيْتَ آمالِي)
47 - الْإِعْرَاب حَقِيقَة مصدر حق يحِق قيل وخمولا مصدر وَقيل هُوَ مفعول لأَجله أَي لأجل الخمول الْغَرِيب الخامل السَّاقِط الَّذِي لَا نباهة لَهُ وَحمل يحمل حمولا وأخملته أَنا الْمَعْنى يَقُول مَا عرفوك حق معرفتك وَذَلِكَ لأَنهم لَا يقدرُونَ على ذَلِك وَلَا لَهُم معرفَة بكنه قدرك وهم إِذا لم يعرفوك حق الْمعرفَة فقد جهلوك وَمَا جهلوك لأجل سقوطك
48 - الْإِعْرَاب الضَّمِير فِي تجثمها للجياد وَهِي فاعلة أَي تجثم نَفسهَا وَتَغَنِّيًا وصهيلا مصدران فِي مَوضِع الْحَال الْغَرِيب السودد السِّيَادَة والرفعة وتجشمت الْأَمر تكلفته على مشقة وجشمت الْأَمر بِالْكَسْرِ جشما وجشمته الْأَمر تجشما وأجشمته إِذا كلفته إياء قَالَ عبد الْمطلب
(مَهْما تُجَشَّمْنِي فإنّي جاشِمٌ ... )
الْمَعْنى يَقُول إِذا غنت الْحمام فَإِنَّمَا تغني بسيادتك ورفعتك وَكَذَلِكَ الْخَيل إِذا صهلت وَهَذَا من الْمُبَالغَة لِأَن الْبَهَائِم لَا تعقل فقد عقلت فضلك وسيادتك فنطقت بهما وَهَذَا من أبلغ الْمَدْح
49 - الْإِعْرَاب نَافِذا وفحولا منصوبان بِمَا على لُغَة الْحجاز كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا هَذَا بشرا} وَبهَا جَاءَ الْقُرْآن وَلم يَأْتِ بِغَيْر الحجازية إِلَّا فِي قِرَاءَة الْمفضل بن عَاصِم {مَا هن أمهاتهم} بِالرَّفْع فَإِنَّهُ أَتَى بهَا على التميمة الْغَرِيب نفذ الشَّيْء إِذا خرقه وَبلغ غَايَته وَنفذ السهْم فِي الرَّمية نفاذا وَنفذ الْكتاب نفاذا ونفوذا وَفُلَان نَافِذ فِي أمره مَاض وَأمره نَافِذ أَي مُطَاع الْمَعْنى لَيْسَ كل من طلب الْعُلُوّ والرفعة بلغَهَا وَلَا كل الرِّجَال أبطال شجعان وَإِنَّمَا الرّفْعَة والسيادة خص الله تَعَالَى بهَا أَقْوَامًا
الصفحة 244