كتاب شرح ديوان المتنبي للعكبري (اسم الجزء: 3)

ولبيد وَغَيرهم وَلَا سمع أهل بابل بسحري يصف نَفسه بالفصاحة
39 - الْمَعْنى يَقُول مذمة النَّاقِص دلَالَة على كمالي وفضلي وَذَلِكَ لِأَن النَّاقِص أبدا ضد الْفَاضِل وَبَينهمَا تبَاين وأصل هَذَا الْمَعْنى من قَول الطرماح
(لَقَدْ زَادَني حُباً لِنَفْسِي أنَّنِي ... بّغَضٌ إِلَى كُلّ امْرِئ غير طائلِ)
وَإِنِّي شَقّيِ باللَّئامِ وَلا تَرَى ... شَقِياً بِهِمْ إلاَّ كَرِيمَ الشَّمائِلِ)
وأخذوه مَرْوَان بن أبي حَفْصَة فَقَالَ
(مَا ضَرَّنِي حَسَدُ اللَّئام وَلمْ يَزَلْ ... ذُو الفَضْلِ يَحْسدُهُ ذَوُو التَّقْصِير)
وَأَخذه ابو تَمام فَقَالَ
(لَقَدْ آسَفَ الأعْداءَ فَضْلُ ابنِ يوسفٍ ... وّذُو النَّقْصِ فِي الدُّنيا بِذِي الْفضل مولَعُ)
وَأَخذه ابْن الْمعز فَقَالَ
(مَا عابَني إلاَّ الحَسُودُ ... وَتِلكَ مِن إحْدى المناقِبْ)
فَأتى أَبُو الطّيب فِي الْمَعْنى بِلَفْظ مُخَالف للفظ مَرْوَان وأتى أَبُو تَمام بِالْمَعْنَى فِي جُزْء من لفظ مَرْوَان وتممه بِلَفْظ من عِنْده وأتى ابْن المعتز بِالْمَعْنَى فِي لفظ سوى لفظيهما
40 - الْغَرِيب بِأَقَلّ رجل يُوصف بالعي من الْعَرَب يضْرب بِهِ الْمثل وَذَلِكَ أَنه اشْترى ظَبْيًا بِأحد عشر درهما فَمر بِقوم فَقيل لَهُ بكم اشْتَرَيْته فعيي عَن الْجَواب فَفتح يَدَيْهِ وَفرق أصابعهما وَأخرج لِسَانه يُرِيد أحد عشر درهما فَأَفلَت الظبي فَصَارَ مثلا فِي العي قَالَ حميد الأرقط يهجو ضيفا
(أَتَانَا وَما دَاناهُ سَحْبانُ وَائلٍ ... بَيانا وَعلْما بالذِّي هُوَ قائِلُ)

(فَما زَالَ عَنْهُ اللَّقْمُ حَتى كأنَّهُ ... مِنَ العيّ لِّما أنْ تَكَلَّمَ باقِلُ)
الْمَعْنى قَالَ أَبُو الْفَتْح بَاقِل لم يُؤْت من سؤ حسابه وَإِنَّمَا أَتَى من سؤ عِبَارَته وَلَو قَالَ أَن يفحم الخطباء فيهم بَاقِل أَو نَحْو هَذَا لَكَانَ أسوغ قَالَ الواحدي وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِن باقلا كَمَا أَتَى من الْبَيَان أَتَى من الْحساب فَإِنَّهُ لَو بنى من سبابته وإبهامه دَائِرَة وَمن خِنْصره عقدَة لم يفلت مِنْهُ الظبي فصح قَول أبي الطّيب فِي نسبته إِلَى جهل الْحساب وَمعنى الْبَيْت يَقُول من يكفل لي بفهم أهل عصر يدعونَ أَن باقلا كَانَ يعلم حِسَاب الْهِنْد مَعَ سؤ علمه بِالْحِسَابِ يُرِيد أَنهم جهال لَا يعْرفُونَ الْجَاهِل من الْعَالم وَلَا النَّاقِص من الْفَاضِل وَصغر الْأَهْل تحقيرا لَهُم

الصفحة 260